11مايو

تلوث الضوضاء والضجيج

تعتبر الضوضاء أو الضجيج نوعاً من أنواع التلوث الفيزيائي الذي لم يُعن به العلماء في السابق عنياتهم بالتلوثات الكيميائية. ولقد تزايد الاهتمام بهذا النوع من التلوث في السنوات الأخيرة لملازمته للإنسان حتى في عقر داره. فصار الإنسان اليوم يعيش وسط محيط هائل من الأصوات المزعجة التي تحيط به أينما ذهب، حتى أصبح من الصعب عليه أن ينعم بالراحة والهدوء والسكينة. ففي الشارع توجد السيارات الكثيرة وتنطلق أصوات آلات البناء ورصف الطرق.. وفي المكتب تشتغل أجهزة تكييف الهواء وتتصاعد أصوات الآلات الكاتبة والناسخة.. وفي المنزل تصدر أجهزة الراديو والتلفاز والتسجيل والغسيل والكنس والآلات الأخرى ضوضاء تحطم الهدوء المنشود: وإذا كان عملك أو سكنك قريباً من المطار فلابد أن تترقب هدير الطائرات في السماء بين الفينة والأخرى. ولهذا أصبحت الضوضاء سمة من سمات عصرنا مسيطرة على الإنسان تضعه تحت وطأتها شاء أم أبى.

إن الضوضاء تؤثر على معيشة الإنسان وعلى صحته تأثيراً بالغاً في أكثر الأحيان، بحيث لا تقف عند حد الإزعاج فحسب، بل تتعدى ذلك إلى إحداث تلف في الأذن وتتسبب في أمراض عديدة تصيب أجهزة الإنسان المختلفة. ونجد أيضاً أن سكان المنازل بالمنطق التي بها نسبة عالية من الضوضاء يضطرون إلى إغلاق النوافذ في داخل منازلهم لكي نعموا بهدوء نسبي.. ويتجنبون الجلوس في حدائق منازلهم بسبب الضوضاء.
وقد أخذ التلوث بالضوضاء يلفت انتباه الكثير من العلماء لدرجة كبيرة لا سيما بعد أن اكتشفوا أن الضوضاء هي من أهم اسباب حدوث بعض الأمراض الحديثة كضغط الدم وآلام الرأس وسواها. لذا فإن الأبحاث مستمرة في معاهد بحوث وجامعات كثيرة من أجل التخفيف من حدة الضوضاء قدر الإمكان.
وفي هذا المقال أود أن ألقي بعض الضوء على أثر الضوضاء في الإنسان من الناحية الصحية والإنتاجية وكيفية الوقاية من هذا الطوفان من الأصوات والضجيج الذي نعيش في وسطه في المدينة وإمكانية تخفيف التأثير السلبي للضوضاء بقدر الاستطاعة.

تعريف الضوضاء:
الضوضاء هي خليط من الأصوات غير المرغوب فيها وتؤثر على نشاط العاملين وإنتاجهم فضلاً على تأثيرها على السمع والجهاز العصبي وأجهزة الإنسان الأخرى.
وقد أصبح الضجيج في عصرنا الحاضر من أكبر عوامل التلوث في الهواء شدة، وخاصة في المدن حيث تزدحم بأصوات وسائل النقل المختلفة والآلات الحديثة الأخرى التي تساهم في إنجاز الأعمال المدنية في الشوارع والطرقات. ولهذا فإن التحكم في الضوضاء أصبح مشكلة تشغل ذهن العلماء المهتمين في جميع أنحاء العالم، وهو يبذلون قصارى جهدهم للوصول إلى المستوى المناسب والممكن السماح به لشدة الصوت.
وتقاس الضوضاء عادة بوحدة تسمى (ديسيبل) وهي وحدة لوغارتيمية لقياس شدة الصوت بالنسبة إلى قيمة مرجعية، ويمثل السكون على هذا المقاس الرقم صفر، وتتراوح شدة الصوت تبعاً لذلك بين صوت التنفس العادي، وهو 10 ديسيبل وصوت انطلاق الطائرة النفاثة وهو 150 ديسيبل.

أثر الضوضاء على صحة الإنسان:
أثبتت الدراسات والبحوث أن الضوضاء العالية تسبب مع الزمن أضراراً بالصحة بصورة عامة. والجدول رقم (1) يوضح قوة الأصوات وتأثيرها على الإنسان.
وتجدر الإشارة إلى أن النائم يتأثر بالضوضاء عندما يصل منسوبها إلى أذنية (20 ديسيبل) ولم يعرف إلى الآن لماذا يتأثر النائم بهذا المنسوب المنخفض من الضوضاء وعلى الرغم من أن هذا المنسوب لا يسبب إيقاظ النائم إلا أن استمرار النوم مع وجود الضوضاء يؤدي إلى أضرار صحية.
ويمكن توضيح أثر الضوضاء على الأجهزة المختلفة للإنسان كما يلي:
• السمع: للضوضاء العالية أضرار جسمية على الأذنين، فيمكن لهذه الضوضاء أن تحدث ضعفاً في السمع لفترة محدودة ومن ثم يعود إلى حالته الأولى. وهذا يحدث في كثير من الأحيان عندما يتعرض الإنسان لضوضاء عالية ولفترة محدودة مثل المصانع والورش. ويمكن لهذا الضعف المؤقت أن يصبح دائماً إذا كان التعرض للضوضاء العالية يومياً وبصورة مستمرة وعندها لا يستطيع الإنسان سماع الحديث الهاديء. وهذا الضعف المستمر يمكن أن يتطور إلى صمم كامل مستديم نتيجة لسماع صوت عال مثل أصوات الانفجارات والقنابل والمدافع وبشكل يومي.. حيث أنه في هذه الحالة تثقب طبلة الأذن وفي بعض الأحيان يتأثر جهاز التوازن الموجود بالأذن الداخلية، فيشعر الإنسان بالدوار والقيء. ولو رجعنا إلى التاريخ لرأينا أن هذا التأثير كان جلياً منذ القديم حيث ذكر العلماء السويديين في عام 1670م أن الصمم كان منتشراً بين النحاسيين والحدادين. ويمكن القول: أن الإنسان يحسن ينمنمه في الأذن إذا تعرض إلى صوت بشدة 120 ديسيبل. وتتحول هذه النمنمة إلى ألم عندما تصل شدة الصوت إلى 130 ديسيبل، وقد تسبب تلفاً في جهاز السمع إذا استمر الصوت فترة من الزمن. وقد لوحظ أن الموسيقيين الذين يعيشون فترات عملهم في وسط صخب صوتي يصل إلى 80 ديسيبل يتأثر سمعهم بسرعة، والغالبية العظمى تفقد السمع في سن مبكرة. والضوضاء تؤثر على سمع كبار السن أكثر من تأثيرها على الشباب .
•  الجهاز العصبي: إن الضوضاء قد تتسبب في أمراض عديدة تصيب الجهاز العصبي وخاصة كلما كانت الضوضاء مركزة. فالضوضاء العالية تندفع إلى الجهاز العصبي في صورة تنبيهات كهر بائية وتعبر الألياف العصبية حتى تصل إلى لحاء المخ فتهيج خلايا تلك المنطقة. وهذا التهييج يكون له تأثير سلبي على كثير من أعضاء الجسم كالقلب الذي يسرع في نبضاته، والجهاز الهضمي الذي تتقلص بعض عضلاته حيث تزيد افرازات المعدة مما قد يؤدي إلى القرحة المعدية وقرحة الأثنى عشر، ويمكن أن تتأثر أيضاً افرازات الكبد والبنكرياس والأمعاء والغدد الصماء. وزيادة بعض هذه الإفرازات يمكن أن تؤدي إلى حدوث ارتفاع في نسبة السكر في الدم وإلى ارتفاع ضغط الدم. وقد تؤدي الضوضاء العالية المستمرة إلى إحداث توتر عصبي ومن ثم التقلب المزاجي الذي يشكو منه الكثيرون في العصر الحديث. وهذه التقلبات المزاجية قد تؤدي إلى الأرق واضطرا بات الجهاز الهضمي وارتفاع مستوى الكولسترول في الدم، وعدم القدرة على التعبير عن المشاعر والأحاسيس بصفة مستمرة.
أثر الضوضاء على إنتاجية العاملين:
تؤثر الضوضاء على إنتاجية العاملين بصورة عامة إذ تسبب لهم حالات الصداع ونقص القدرة على التركيز وعلى أداء الأعمال الذهنية لا سيما في العمليات الحسابية. وقد أجرت إحدى الشركات الأمريكية دراسة عن مدى تأثير الضوضاء على كفاءة الإنسان في إنجاز الأعمال الذهنية واستغرقت هذه الدراسة عاماً كاملاً. وكان من أهم نتائج هذه الدراسة أن الكفاءة تقل بشكل ملحوظ في جو العمل الذي تكثر فيه الأصوات العالية والضجيج عنها في حالة وجود مستوى منخفض من الضوضاء. ولقد وضعت الشركة مواد لامتصاص الصوت في الجدران وتوصلت إلى النتائج التالية:
1- انخفاض معدل الأخطاء الحسابية بنسبة 52%.
2- انخفاض معدل الخطأ في الضرب على الآلة الكاتبة بنسبة 29%.
3- انخفاض معدل التغيب عن العمل بسبب الأحوال المرضية بنسبة 27%.
وهذه النتائج توضح البعد الاقتصادي لمشكلة الضوضاء. وإذا ارتفع مستوى الضوضاء إلى 210 ديسيبل قد يؤدي إلى نقص القدرة على أداء العمل العضلي حيث يحس المعرض إلى هذا المستوى من الضوضاء باهتزازات داخل جسمه ويصاحب هذا الإحساس شعور بالانكماش والخوف.

الوقاية من الضوضاء
يمكن الوقاية من تأثير الضوضاء المزعجة بطرق عدة أهمها:
1- التخطيط الطبيعي للمدن: يجب على مخططي المدن والطرقات أن يأخذوا في اعتبارهم الآتي عند تخطيط المدن:
• أن تحاط المدينة بحزام أخضر والإكثار من المنتزهات لأن لها تأثيراً نفسياً ممتازاً يساعد على تهدئة الأعصاب.
•  إبعاد المصانع والورش عن داخل المدن والأماكن السكنية.
•  التقليل من وجود التقاطعات وإشارات المرور في الإمكان السكنية. وتبطين جدران المنازل القريبة من التقاطعات المرورية الرئيسية بمواد عازلة للصمت بما يتناسب مع الظروف المحيطة بها.
2- الطرق الهندسية:
• منع الضوضاء من مصدرها: يمكن تحسين التصميمات الهندسية ومراعاة خفض مستوى الضوضاء إضافة إلى الصيانة الدائمة مع ربط أجزاء الآلات بإحكام وتشحيمها باستمرار.
• تقليل الاهتزازات: وذلك بتركيب الآلات والأجهزة الثقيلة على قواعد ماصة أو مواد عازلة للصوت.
3- الطرق الطبية:
• الفحص الطبي الشامل للعامل قبل التحاقه بالعمل.
• الفحص الطبي الدوري للمعرضين للضوضاء للتأكد من مدى تأثرهم بها.
• الوسائل الشخصية

ويمكن أن تقسم هذه الوسائل إلى قسمين رئيسيين:
• التوعية العامة بأخطار الضوضاء وتأثيرها على العامل على المدى البعيد وأهمية الفحص الطبي الدوري.
• أدوات الوقاية الشخصية من سدادات وأغطية الأذنين والخوذات التي تغطي الرأس والأذنين معاً.
وهذه الوسائل يمكنها الحد من شدة الأصوات ما فوق 20 ديسيبل في أكثر الأحيان.
ومن العرض الذي تقدم يمكن القول بان التلوث بالضوضاء من مشاكل العصر التي تقلق راحة كثير من العلماء المهتمين بهذا الحقل ويجب العمل على نشر الوعي العام عن خطورة الضوضاء وطرق الوقاية منها من أجل الصحة العامة للناس المعرضين لها.

شارك التدوينة !

عن admin

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

© جميع الحقوق محفوظة 2016
%d مدونون معجبون بهذه: