الوسم : ترويج

16أبريل

فوضى الاعلان والترويج …. استخفاف بالعقول … استفزاز للمشاعر

ealanattelfision

249100_519745661416341_522268500_n

    بقلم : مُستَهلَك 

قد لا يختلف إثنان على أهمية دور الإعلان كوسيلة تسويقية فعالة لخلق همزة وصل بين أطراف المعادلة التجارية وهم (المستهلك والسلعة والمنتج) ، وتعريف المستهلك بماهية وشخصية السلعة ومعم مرور الوقت تطورت صناعة الدعاية والإعلان تطوراً مذهلا وتعاظم دورها لدرجة أنها باتت تمثل جزء لا يتجزء من شخصية وهوية العديد من المنتجات ، وهو ما فتح الباب على مصراعيه أمام المبدعين لاستنباط كل ما هو جديد والخروج عن المألوف – بل والمغالاة أحيانا – لجذب الجمهور المستهدف ومع أشادتنا وتقديرنا الكامل لجهود العاملين في مجال الدعاية والإعلان – الجادين منهم والمبدعين على وجه الخصوص – لإسهاماتهم في تطوير هذه الصناعة ، إلا اننا نود أن نسجل بعض الملاحظات على مضمون بعض الحملات الإعلانية قبل أن يضيع الطريق من تحت أقدامنا ويبهرنا القالب الذي يتم من خلاله تمرير رسائل تنطوي على استخفاف مقدرات وعقول الجمهور . ولعلي أستشهد على صحة أطروحتي بثلاث حالات في قطاعات وأزمنة مختلفة تمثل تحد واستخفاف صارخ لعقلية المستهلك تجاوز كل الحدود :

الحلة الاولى : بيان صحفي وزعته إحدى شركات الأدوية العالمية العاملة بدول المنطقة ونشرته العديد من صحفنا المحلية اليومية الصادرة بتاريخ 23 أغسطس 2005م حيث أوردت واحدة منها أن سوق أدوية الضعف الجنسي في السوق السعودي ينمو بواقع 13% سنوياً وأن خمس السعوديين يعانون من الضعف الجنسي – وهو خبر مزعج ولا شك ، ليس لمجرد انه يلامس منطقة جرت العادة أنها تدخل ضمن دائرة المحظورات في حياة أي رجل شرقي بحكم عوامل ثقافية وأخلاقية – بل لأن الخبر يستند على دراسة غير موثوقة وإحصائيات لا ندري مصدرها تنقل رسالة يتم تمريرها للمستهلك بهدف إقناعه والتأثير عليه بطريقة غير مباشرة لشراء عقار

نفس الخبر ظهر مرة أخرى في نفس الجريدة وفي نفس اليوم لكن على صفحة أخرى ومفاده أن خُمس المواطنين الكويتيين يعانون من الضعف الجنسي وأن أدوية هذا المرض تزدهر بالكويت مع نمو مبيعاتها بنسبة 13%  ، على الفور أخذت في قراءة مضمون الخبر ، ومصدره القاهرة ، فوجدت أنه نسخة طبق الأصل من الخبر الأول ويتحدث عن معدلات انتشار العجز الجنسي ولكن هذه المرة في الكويت وجدت نفس النسب والمعدلات ، نفس الدراسات ، نفس الأرقام ، نفس الأشخاص الذين يعلقون على القضية ، أسم المريض الذي يمتدح فعالية الدواء في السعودية والكويت شخص واحد لكن الاختلاف أنه في المرة الأولى أشير إليه كمواطن سعودي وفي المرة الثانية مواطن كويتي . حدثت نفسي محاولا أقناعها أنها مصادفة ولعل معدلات مبيعات أدوية العجز الجنسي في السعودية والكويت متطابقة لسبب لا يعلمه إلا الله وأن هناك شخصين أحدهما سعودي والآخر كويتي يحملان نفس الاسم الثنائي ويعانيان من مرض العجز الجنسي – من يدري كل شيء جائز هذه الأيام ….!!!

انتهيت من تصفح هذه الجريدة وأخذت في تصفح جريدة أخرى فهالتني المفاجأة أن أجد نفس الخبر في نفس اليوم لكن مصدرة هذه المرة عُمان ويتحدث عن سوق العجز الجنسي في الأردن وإنها تنمو بواقع 13% !!! الخبر الذي كان مصحوباً بصورة كبيرة للعقار الذي يتم الترويج له وتحتل موقعاً بارزاً في الجريدة ويحمل نفس النسب والمعدلات ، نفس الدراسات ، نفس الأرقام والأغرب من ذلك كله وجود نفس أسم المريض الذي يمتدح فعالية الدواء لكنة هذه المرة هو مواطن أردني ..نفس المفردات اللغوية ..نفس الكلام ..إنه نسخة طبق الأصل من الخبرين السابقين !!!! فركت عيناي جيدا لا أكاد اصدق ما رايته … العجز الجنسي بات الشغل الشاغل مثله في ذلك الكثير من القضايا الصحية التي تطفو فجأة على السطح في عالمنا العربي ثم لا تلبث أن تهدا جذوتها والحديث عن السمنة ليس ببعيد دراسات من هنا وهناك توكد ان السمنة في المنطقة تمثل أعلى معدلات في العالم ، داء السكري أيضا لم يسلم من هذا العبث فكم قراءنا أن معدلات الإصابة بالسكري في المنطقة هي الأعلى على مستوى العالم ، سرطان الثدي كذلك هو الأعلى على مستوى العالم عندنا ، الزهايمر التوحد ،حتى سرطان القولون لم نسلم منه ..هنا الأعلى على مستوى العالم ، عجز جنسي ،سمنة، سكري ،زهايمر ،سرطان ،منغولي ،..لقد دخلنا موسوعة جينيس ولا فخر في العلل والأمراض والأوبئة ..وماذا بقي لنا ..لنا الله .

الحالة الثانية  : التي أسترعي أنتباهى كان إعلان لأحد مشغلي شبكات الهاتف الجوال في المملكة ،تلك الشركة التي ملأت الدنيا ضجيجاً وصخباً لرعايتها الأخضر أو المنتخب السعودي لكرة القدم المشارك في كأس العالم 2006م ، هذا الإعلان الذي أثار حفيظتي يدعي أن الأخضر معانا ..خليك معانا وكأن الأخضر هو الذي ينسب إليهم ونسيت هذه الشركة أو تناست الحقائق التالية : 1-أن هذا الأخضر أو منتخب المملكة لكرة القدم موجود منذ أكثر منذ نصف قرن وسيبقى إلى ما شاء الله وأنهم هم الذين وفدوا إلينا حديثي العهد بالمملكة ، ومن ثم يجب أن يكونوا هم مع الأخضر وليس العكس فكلنا مع المنتخب على كافة المستويات الرسمية والشعبية قلبا وقالباً . 2-أن الأخضر يمثل المملكة العربية السعودية في هذا المحفل الرياضي العالمي وأنه لشرف كبير لأي جهة أن تقدم رعاية للمنتخب وأنهم هم الرابح الأول من ربط اسم شركاتهم بالأخضر وليس العكس . علماً بأن المنتخب يلقى كل الدعم الرسمي من الدولة وأنه ليس في حاجة لمن يدعمة بقدر حاجتهم لدعمه وبالتالي يجب عليهم الفخر بذلك بدلاً من محاولة الزج باسم المنتخب ممثل المملكة بهذه الطريقة التي أقل ما يقال عنها أنها رخيصة وغير لائقة . 3-أن هذه الشركة-مع احترامي الكامل لها –سعت بكل الوسائل والسبل أن تنال حق رعاية المنتخب ، في حين أن هذا الرعاية تنقل رسالة مغايرة لذلك تماماً . 4-أن مفهوم الرعاية هو المشاركة لخدمة هدف أكبر جماهيري وليس الابتزاز العاطفي على هذا النحو لمجرد كسب تعاطف شريحة من العملاء والتخفي في عباءة دعم وخدمة المجتمع . 5-أن حق الرعاية لاستغلال اسم منتخب المملكة في الترويج لهذه الشركة لا يعني أبدا الاستخفاف بعقولنا ومقدراتنا واستفزاز مشاعرنا إلى هذا الحد .

الحالة الثالثة :فكان لإحدى شركات الدواجن التي تروج لمنتجاتها المختلفة من خلال دعاية تحمل رسالة مضللة تتعلق بأسمى عاطفية في الوجود وهي عاطفة الأمومة ومحاولة التدني بها من مضمونها المعنوي كقيمة إلى مستوى مادي رخيص ..وتدعى هذه الدعاية أن أم الطفل لا تحبه بحق إلا إذا اشترت له منتج هذه الشركة ..انتبهوا أيها السادة …ما هذا الهراء …وماهي الرسالة التي تحاول أن ترسخها في أذهان أبنائنا والأجيال الجديدة ..وهل الأم التي أوصى رسولنا الكريم بحسن رعايتها وصحبتها ..الأم التي حملت وتحملت الآلام البدنية والمعنوية …الأم التي ربت وسهرت ..هل هي في حاجة لأن يشتري هذا المنتج أو ذاك حتى تثبت حبها لأولادها …. لا حول ولا قوه إلا بالله .

كلمة أخيرة أقولها لهؤلاء المعلنين ارفعوا أيديكم عن مقدراتنا ..لا تعبثوا بصحتنا ..لا تستغلوا فخرنا وانتمائنا للوطن … لا تتطاولوا على قيمنا الروحية ..إن الأمر جد خطير ..ليس معنى كلامي هذا مطالبتهم أن يخلعوا عباءة رجل التسويق الماهر ، فحسابات الربح والخسارة وعواقبها معروفة لدى الجميع ، لكن ما قصدت إليه من خلال هذه السطور هو التعامل بنوع من التوازن بين المصلحة الخاصة ..صحتنا ..انتمائنا ….  قيمنا ، قبل أن يضيع من تحت أقدامنا الطريق .

 

© جميع الحقوق محفوظة 2016