الوسم : مزيفه

7مايو

مكافحة الاتجار الدولي في السلع المزيفة وفقا لقواعد منظمة التجارة العالمية ( ورقة عمل )

دكتور
حسام الدين عبد الغنى الصغير
أستاذ ورئيس قسم القانون التجارى ، كلية الحقوق ، جامعة المنوفية
2004
 
مقدمــــة
ظاهرة الغش و تزوير العلامات التجارية وآثارها السلبية :
 تلعب العلامة التجارية منذ زمن بعيد دوراً بارزاً فى الدلالة على مصدر المنتجات . ولا شك أن هذا الدور كان أقدم وظائف العلامة ظهوراً من الناحية التاريخية ، إذ عُرفت هذه الوظيفة التقليدية للعلامة فى المجتمعات القديمة، واستمرت العلامة إلى يومنا هذا تؤدي دورها فى الدلالة على مصدر المنتجات ، ثم تطورت وظيفة العلامة نتيجة للتغيرات الاقتصادية وقيام الإنتاج الكبير ، فلم تعد تقتصر على الدلالة على المصدر، بل أصبحت ترمز لصفات وخصائص المنتجات ودرجة جودتها ، فوجود العلامة يوحي بالثقة وضمان الجودة للمستهلك . وبالإضافة إلى ذلك فقد ظهرت حديثاً وظيفة أخرى للعلامة نتيجة للاستثمارات الضخمة التي تخصصها المؤسسات والشركات، والمبالغ المالية الطائلة التى تنفقها فى حملات الدعاية والإعلان عن العلامات لكي يتعرف الجمهور عليها وترسخ فى الأذهان ، وتعرف هذه الوظيفة بالوظيفة التسويقية للعلامة .
ومن الغنى عن البيان أن تزوير العلامات التجارية وتقليدها يعرقل أداء العلامة لوظائفها ، ويلحق ضرراً جسيماً بالمجتمع ، إذ لا يقتصر الضرر الناتج عن التزوير والتقليد على الصناعة والتجارة ، بل يمتد إلى المستهلك الذى يقع ضحية الغش والخداع، وخاصة بعد أن اتسعت دائرة الاتجار فى السلع التى تحمل علامات تجارية مزورة فشملت كل أنواع المنتجات والبضائع من ملابس ونظارات وساعات وقطع غيار سيارات وآلات صناعية وأجهزة كهربائية . كما امتدت تجارة البضائع المزيفة إلى سلع أدى تقليدها إلى المساس بصحة الإنسان وتعريض حياته للخطر ، مثل المنتجات الغذائية والأدوية والأجهزة الطبية وفرامل السيارات وقطع غيار الطائرات .
وخير مثال على ذلك ما سطره القضاء الأمريكي فى قضية Textron v. Aviation Sales وهي تتعلق بتصنيع قطع غيار طائرات هليكوبتر رديئة وضعت عليها علامة تجارية مزورة ، هى فى الأصل علامة مسجلة مملوكة لشركة Bell Helicopter Division of Textron, Inc.، مما أدى إلى المساس بأمن وسلامة الطيران وضياع الأرواح ، فقد وجدت المحكمة أن الحوادث التي وقعت لعدة طائرات هليكوبتر كانت بسبب قطع الغيار المعيبة التى صنعها وباعها المدعي عليهم وكانت تحمل العلامة التجارية المزورة مما أدى إلى حالات وفاة وإصابات بدنية جسيمة ( ) .
ومن الجدير بالذكر أنه فى سنة 1977 اكتشفت هيئة الملاحة الجوية الفيدرالية بالولايات المتحدة الأمريكية أن أجهزة الإنذار بوقوع حريق ، التى تستعمل فى حوالي 100 طائرة ، رديئة الصنع وتبين أنها أجهزة مزيفة ، وأمرت بتغييرها . ولا يغيب عن البال كثرة حوادث السيارات التى وقعت بسبب رداءة الفرامل التى تحمل علامات تجارية مزورة ، فضلا عن الأجهزة والعقاقير الطبية المغشوشة التى أودت بحياة المرضى     أو ألحقت بهم أضراراً بدنية جسيمة .
وقد تخطت ظاهرة الاتجار فى السلع التى تحمل علامات تجارية مزورة الحدود الجغرافية للدول وأحدثت آثاراً سلبية على التجارة الدولية وأعاقت ازدهارها . وكانت أكثر الدول استياءً من تفاقم هذه الظاهرة هي الولايات المتحدة الأمريكية ، إذ قدرت الخسائر التى تكبدتها الصناعة والتجارة الأمريكية فى سنة 1996 بسبب المنتجات المزيفة بـ 200 بليون دولار أمريكي فى مقابل 5.5 بليون دولار سنة 1982 ( ) .
وبالإضافة إلى الآثارالسلبية المتقدمة, فمن المعلوم أن تصنيع وتجارة السلع المزيفة تحقق أرباحاً طائلة للمعتدين، كثيراً ما تستخدم فى تمويل أنشطة إجرامية منظمة  تزاولها عصابات تمارس نشاطها على المستوى الدولى.
موقف اتفاقية باريس لحماية الملكية الصناعية 1883، واتفاقية التربس:
على الرغم من الاهتمام بتدعيم حقوق الملكية الفكرية على المستوى الدولي منذ زمن بعيد ، إلا أن الاتفاقيات الدولية المبرمة قبل اتفاقية الجوانب المتصلة بالتجارة من حقوق الملكية الفكرية (اتفاقية التربس) أغفلت مسألة الإنفاذ واكتفت بوضع قواعد موضوعية لتوفير الحماية على المستوى الدولي دون وضع قواعد وأحكام تضمن وضع نصوص هذه الاتفاقيات موضع التنفيذ فى الدول الأطراف ، فتركت بذلك للتشريعات الوطنية وضع قواعد الإنفاذ الملائمة . وقد أدى ذلك الى اختلاف هذه القواعد وتباينها ، من حيث درجة الفاعلية ، من دولة إلى أخرى .
فإذا نظرنا إلى اتفاقية باريس لحماية الملكية الصناعية المبرمة فى سنة 1883    ( والمعدلة ببروكسل 1900، وواشنطجن 1911 ، ولاهاي 1925 ، ولندن 1934 ، ولشبونة 1958، واستكهولم 1967 والمنقحة فى 1979) ، نجد أنها وضعت فى المادتين 6 مكرر ، 9 بعض التدابير التي يجب على الدول اتخاذها لمواجهة التعدى على العلامات التجارية وتقليدها . وهذه التدابير تخص العلامات والأسماء التجارية دون غيرهما من طوائف الملكية الفكرية الأخرى ، غير أن هذه التدابير لم تكن كافية للتصدى لظاهرة انتهاك حقوق أصحاب العلامات التجارية وتزويرها على المستوى الدولي .
أما اتفاقية التربس فهى تتميز عن غيرها من الاتفاقيات الدولية التى أبرمت فى مختلف مجالات الملكية الفكرية باهتمامها البالغ بإنفاذ حقوق الملكية الفكرية ، فالاتفاقية لم تهتم بوضع قواعد موضوعية لتوفير حد أدني من مستويات حماية حقوق الملكية الفكرية فى مختلف الدول الأعضاء فحسب ، بل اهتمت أيضا بوضع قواعد إجرائية صارمة ، لضمان تنفيذ معايير الحماية التى نصت عليها فى الدول الأعضاء، ولا مثيل لهذه القواعد الإجرائية فى الاتفاقيات الدولية المبرمة من قبل فى مجال الملكية الفكرية ( ) .
 وقد عالجت اتفاقية التربس إنفاذ حقوق الملكية الفكرية فى الجزء الثالث منها         ( المواد من 41 – 61) . وتضمنت هذه المواد : الالتزامات العامة ( المادة 41)، الإجراءات والجزاءات المدنية والإدارية ( المواد من 42 – 49)،  التدابير الوقتية             ( المادة 50)، التدابير الحدودية ( المواد من 51 – 60) ، الإجراءات الجنائية                   ( المادة 61 ).
تقســيم :
 وسوف نعالج فى هذه الورقة مكافحة الاتجار الدولي في السلع المزيفة وفقا لقواعد منظمة التجارة العالمية  فى ثلاثة مباحث ، نوضح فى المبحث الأول التدابير التى قررتها اتفاقية باريس لحماية الملكية الصناعية سنة 1883 لمواجهة تجارة السلع التى تحمل علامات أو أسماء تجارية مزيفة ، والجهود التى بذلت لمواجهة هذه الظاهرة تحت مظلة الجات ، ثم نستعرض أحكام الإنفاذ التى استحدثتها اتفاقية التربس وهى على نوعين: قواعد إنفاذ عامة تتصل بمختلف طوائف الملكية الفكرية التى عالجتها اتفاقية التربس، ونخصص لها المبحث الثانى، وقواعد تتضمن تدابير خاصة للتصدى بصفة أساسية لظاهرة الاتجار الدولى فى السلع التى تحمل علامات مزورة أو تنطوى على انتحال لحقوق المؤلفين ونعرضها فى المبحث الثالث بحسب التقسيم التالى:
المبحث الأول : التدابير المقررة فى اتفاقية باريس ، والمفاوضات التى عقدت تحت مظلة الجات لمواجهة ظاهرة تجارة السلع المزيفة
المبحث الثاني : قواعد الإنفاذ العامة لمختلف حقوق الملكية الفكرية فى اتفاقية التربس
المبحث الثالث : تدابير خاصة لمواجهة الاتجار الدولى فى السلع التى تحمل علامات تجارية مزورة أو تنطوى على انتحال لحقوق المؤلفين
المبحث الأول
التدابير المقررة فى اتفاقية باريس ، والمفاوضات التى عقدت تحت مظلة الجات لمواجهة ظاهرة تجارة السلع المزيفة

وضعت اتفاقية باريس لحماية الملكية الصناعية 1883 بعض التدابير لكى تتخذها الدول الأعضاء فى اتحاد باريس لمواجهة التعديات على العلامات التجارية وتزويرها فى المادتين 6 مكرر ، 9 منها . وقد خصت الاتفاقية العلامات والأسماء التجارية بهذه الأحكام دون غيرهما من طوائف الملكية الصناعية الأخرى.
 أما المادة 6 فقد وضعت نظاماً لحماية العلامة المشهورة بموجبه تتعهد دول اتحاد باريس برفض أو إبطال تسجيل أو منع استعمال الغير للعلامة التي تشكل نسخاً           أو تقليداً أو ترجمة لعلامة تجارية مشهورة ، إذا كان من المزمع استخدام العلامة لتمييز منتجات مماثلة أو مشابهة للمنتجات التي تستخدم العلامة المشهورة فى تمييزها . ومن الغني عن البيان أن هذا الحكم لم يوفر درجة الحماية المطلوبة للعلامات المشهورة ، إذ لم تضع الاتفاقية تعريفاً للعلامة المشهورة .
أما المادة 9 من الاتفاقية فقد وضعت بعض التدابير لحماية العلامات والأسماء التجارية فقررت أن على الدول الأعضاء فى اتحاد باريس مصادرة المنتجات التى تحمل بطريق غير مشروع علامات أو أسماء تجارية عند استيرادها إلى الدول التى تكون تلك العلامات أو الأسماء محمية فيها ( المادة 9 فقرة 1). وتقع المصادرة بناء على طلب النيابة العامة أو السلطة المختصة أو صاحب الشأن وفقا للتشريع الداخلي لكل دولة              ( مادة 9 فقرة 3). ولا تلتزم السلطات بمصادرة المنتجات التى تمر بالدولة فى تجارة عابرة ( ترانزيت ) ( المادة 9 فقرة 4). وإذا كان تشريع الدولة لا يجيز المصادرة عند الاستيراد فيستعاض عن ذلك بحظر الاستيراد أو بالمصادرة داخل حدود الدولة بعد الإفراج عن المنتجات جمركياً ( المادة 9 فقرة 5) . فإذا كان تشريع الدولة لا يجيز المصادرة عند الاستيراد ولا داخل الدولة فيستعاض عن هذه الإجراءات بالدعاوى والوسائل التى يكفلها قانون تلك الدولة لمواطنيها فى الحالات المماثلة ( المادة 9 فقرة 6).
ومن الغني عن البيان أن التدابير المتقدمة لم تكن كافية للتصدي لظاهرة الاتجار فى السلع التى تحمل علامات مزورة ، لأن الفقرة 6 من المادة 9 من اتفاقية باريس لا تلزم الدول الأعضاء فى الاتحاد بشيء ، إذ أجازت لها الاستعاضة عن تلك التدابير بالدعاوى والوسائل التى يكفلها القانون الداخلي لمواطني الدولة ، ومن ثم فقدت التدابير التى تنص عليها المادة 9 من الاتفاقية طابعها الإلزامي . وهذا يعنى أن المادة 9 من اتفاقية باريس تكتفي بمناشدة الدول الأعضاء فى الاتحاد ودعوتها إلى اتخاذ هذه التدابير عند استيراد المنتجات التى تحمل بطريق غير مشروع علامات تجارية ، دون أن تفرض عليها أي التزام قانوني أو حتى أخلاقي ( ).
وقد أدركت الولايات المتحدة الأمريكية منذ بداية السبعينيات مدى خطورة تجارة السلع المزيفة والآثار السلبية التى تحدثها فى مجال التجارة الدولية ، ونادت ، فى إطار جهودها الرامية إلى رفع مستويات حماية حقوق الملكية الفكرية على المستوى الدولي ، بوضع قواعد للإنفاذ، بعد أن ظهر جليا أن مجرد وضع قواعد موضوعية موحدة لحماية حقوق الملكية الفكرية لم يعد كافياً ، لأن درجة الحماية التى يتم توفيرها بموجب الاتفاقيات الدولية تتوقف على الإنفاذ الفعال لنصوص تلك الاتفاقيات .
وفى الجولة السابعة للمفاوضات التجارية التى عقدت تحت مظلة الجات ، وهي جولة طوكيو 1974 ، طرحت على مائدة المفاوضات مسألة تجارة السلع المزيفة counterfeiting goods ، غير أن المفاوضات لم تسفر عن التوصل إلى أي اتفاق فى هذا الشأن. وفى سنة 1979 توصلت الولايات المتحدة الأمريكية إلى اتفاق مع الجماعة الأوروبية European Community على مشروع تمهيداً لطرحه على الدول الأطراف فى الجات سمىAgreement on Measures to Discourage the Importation of Counterfeit Goods  وقد أدخلت عدة تعديلات على هذا المشروع فى أعقاب عدة اجتماعات غير رسمية عقدت مع عدد من الدول الصناعية خلال الفترة من 1980 – 1982 ، وأطلق على المشروع بعد ذلك Anticounterfeiting Code. وعرض المشروع فى الاجتماع الوزاري للدول الأطراف فى الجات المنعقد فى سنة 1982 للتحضير لجولة المفاوضات القادمة ، غير أن الدول النامية – بقيادة البرازيل والهند – اعترضت على معالجة مسائل الملكية الفكرية تحت مظلة الجات ، على أساس أن هذه المسائل من صميم اختصاص المنظمة العالمية للملكية الفكرية ( الويبو) ، وأن الجات تقتصر أهدافها على المسائل المتعلقة بتجارة السلع ، ومن ثم فلا شأن لها بالمسائل المتعلقة بتزوير العلامات التجارية وحقوق الملكية الفكرية الأخرى .
ومن الغني عن البيان أن الدول النامية لم تفلح فى استبعاد الملكية الفكرية من دائرة مفاوضات الجات وتضمن الإعلان الوزاري الذي صدر من وزراء تجارة الدول الأطراف فى الجات فى مدينة بونتادي ليست باورجواى 1986 – الذى أعلن بدء جولة مفاوضات جديدة – الملكية الفكرية ضمن قائمة الموضوعات التى تشملها المفاوضات .
وقد تناولت المفاوضات قواعداً للإنفاذ ، إذ ظهر جلياً أن الحماية الموضوعية لحقوق الملكية الفكرية لا تكون مجدية من الناحية العملية إلا بقدر ما يوجد فى التشريعات الوطنية من آليات قانونية لوضع النصوص موضع التنفيذ . وكانت وجهة نظر الولايات المتحدة – وأيدتها فى ذلك الدول الصناعية المتقدمة – أن التشريعات الوطنية تعاني من ضعف قواعد الإنفاذ فى 5 مجالات هي :  1- عدم كفاية التدابير الحدودية بغرض التحفظ على البضائع المزيفة على الحدود الجمركية ، فضلا عن عدم تقديم العون الكافى من أجهزة الشرطة، 2- وجود عوائق تحول دون اللجوء إلى القضاء أو السلطات المختصة، 3- صرامة قواعد الإثبات ، 4- عدم توفير الحماية الوقتية أو التحفظية ،      5- عدم وجود حماية جنائية رادعة ( ) .
 وقد أسفرت مفاوضات الملكية الفكرية فى النهاية عن التوصل إلى اتفاقية الجوانب المتصلة بالتجارة من حقوق الملكية الفكرية (اتفاقية التربس). وعالجت الاتفاقية حقوق الملكية الفكرية فى سبعة أجزاء هى على التوالى: أحكام عامة ومبادئ أساسية، المعايير المتعلقة بتوفير حقوق الملكية الفكرية ونطاقها واستخدامها، إنفاذ حقوق الملكية الفكرية، اكتساب حقوق الملكية الفكرية واستمرارها وما يتصل بها من الإجراءات فيما بين أطرافها، منع المنازعات وتسويتها، والترتيبات الانتقالية، الترتيبات المؤسسية والأحكام النهائية.
وينقسم الجزء الثالث من الاتفاقية فى شأن انفاذ حقوق الملكية الفكرية ، إلى خمسة أقسام: القسم الأول فى الالتزامات العامة ( مادة 41) ، والقسم الثاني الإجراءات والجزاءات المدنية والإدارية ( المواد من 42 – 49) ، والقسم الثالث التدابير المؤقتة (المادة 50) ، والقسم الرابع المتطلبات الخاصة بالتدابير الحدودية (المواد من 51-60) ، والقسم الخامس فى الإجراءات الجنائية (المادة 61).
 ويمكن تقسيم قواعد الإنفاذ الواردة فى الأقسام الخمسة من الجزء الثالث من الاتفاقية إلى نوعين : النوع الأول : قواعد الإنفاذ العامة لمختلف حقوق الملكية الفكرية ، وهى تشمل الالتزامات العامة، والإجراءات والجزاءات المدنية والإدارية ، والتدابير المؤقتة ، و النوع الثانى : قواعد إنفاذ تضمنت تدابير خاصة للتصدى بصفة أساسية لظاهرة الاتجار الدولى فى السلع التى تحمل علامات تجارية مزورة أو تنطوى على انتحال لحقوق المؤلفين وتجريم الاعتداء العمدى عليها ، وهى تشمل التدابير الحدودية ، والإجراءات والعقوبات الجنائية.
 وسوف نخصص لكل نوع من هذين النوعين مبحثاً مستقلاً من المبحثين        التاليين.

 
المبحث الثاني
قواعد الإنفاذ العامة
لمختلف حقوق الملكية الفكرية فى اتفاقية التربس
تقسيــم:
 ينقسم هذا المبحث إلى ثلاثة فروع. سوف نتناول فى الفرع الأول الالتزامات العامة وفى الفرع الثانى الإجراءات والجزاءات المدنية والإدارية، وفى الفرع الثالث التدابير المؤقتة.
الفرع الأول
الإلتزامات العامة
General Obligations
 فرضت اتفاقية التربس فى المادة 41 على الدول الأعضاء فى منظمة التجارة العالمية التزامات عامة تتعلق بالإنفاذ ويتلخص ما جاء بها من أحكام فى الآتي :
1- تلتزم الدول الأعضاء بتوفير قواعد إجرائية فى القانون الوطني تسمح باتخاذ تدابير فعالة (دعوى – أمر قضائي ، تظلم ، شكوى إدارية) لمواجهة أي اعتداء على حق من حقوق الملكية الفكرية المنصوص عليها فى الاتفاقية . ويجب أن تشمل هذه القواعد الإجرائية الجزاءات السريعة expeditious remedies لمنع التعديات ، بالإضافة إلى جزاءات تشكل ردعا لأي تعديات فى حالة وقوعها . ويجب أن تطبق هذه الإجراءات فى القوانين الوطنية بأسلوب يضمن عدم إقامة حواجز أمام التجارة المشروعة ، ويوفر ضمانات لمنع إساءة استخدامها . ( مادة 41 فقرة 1).
2- أوجبت الفقرة الثانية من المادة 41 أن تكون الإجراءات منصفة وعادلة ، وألا تكون هذه الإجراءات معقدة أو باهظة التكاليف بصورة غير ضرورية ، أو تستغرق وقتا طويلا لا مبرر له أو تأخير لا داعي منه .
وجدير بالذكر أنه لتجنب طول إجراءات التقاضي فمن الجائز تخصيص محاكم معينة أو تخصيص دوائر معينة فى المحاكم لنظر منازعات الملكية الفكرية . وقد أنشأت بعض الدول ، مثل تايلاند ، محاكم خاصة يقتصر اختصاصها على نظر منازعات الملكية الفكرية( ) . غير أنه لا يوجد التزام على الدول الأعضاء فى منظمة التجارة العالمية بإنشاء محاكم خاصة لنظر تلك المنازعات ( المادة 41/5).
3- من المفضل أن تكون الأحكام الصادرة فى الموضوع مسببة ومكتوبة ، وأن يتاح الحصول عليها لأطراف القضية ، على الأقل ، بدون تأخير لا مبرر له . ويجب أن تستند الأحكام إلى أدلة أعطيت لأطراف الخصومة فرصة تقديم دفاعهم فى شأنها.
4- يجب إتاحة فرصة الطعن فى الأحكام القضائية الصادرة ، فى المسائل القانونية ، من محاكم أول درجة . ومع ذلك فقد تركت الاتفاقية للدول الأعضاء الحرية فى تقرير عدم الطعن فى الأحكام القضائية فى المنازعات قليلة الأهمية التى يحددها القانون الوطني . كما لا يوجد التزام على الدول بإتاحة فرصة الطعن فى الأحكام الجنائية الصادرة ببراءة المتهمين ( المادة 41 فقرة 4).
5- لا التزام على الدول الأعضاء بإقامة نظام قضائي خاص لإنفاذ حقوق الملكية الفكرية منفصل عن نظام إنفاذ القوانين بصفة عامة . كما أن الاتفاقية لا تتدخل فى كيفية تنفيذ الدول الأعضاء لقوانينها ، ولا تفرض عليها تخصيص موارد إضافية لإنفاذ حقوق الملكية الفكرية . ومن ثم فإن الأحكام المتعلقة بالإنفاذ المنصوص عليها فى الاتفاقية يجب على الدول الأعضاء تطبيقها بحسب ما هو متاح لديها من موارد لانفاذ قوانينها بوجه عام . كما لا يوجد التزام على الدول بتوزيع الموارد المخصصة لانفاذ القوانين بين الأجهزة التى تنظر قضايا الملكية الفكرية ، وغيرها من الأجهزة الأخرى ، ( المادة 41 فقرة 5) . وهذا يعنى أن الالتزام بالإنفاذ الفعال لحقوق الملكية الفكرية لا يكون على حساب إنفاذ القوانين الأخرى فى الدول الأعضاء ، وأن تطبيق قواعد الإنفاذ يجب ألا يؤثر سلبيا على قدرة الدول الأعضاء على إنفاذ قوانينها الوطنية الأخرى .
 
الفرع الثانى
الإجراءات والجزاءات المدنية والإدارية
Civil and Administrative Procedures and Remedies
 تناول القسم 2 من الجزء الثالث من الاتفاقية الإجراءات والجزاءات المدنية والإدارية . ونوضح ذلك بالتفصيل كما يلى :
1- الإجراءات المنصفة والعادلة :            Fair and Equitable Procedures
  تقضى المادة 42 من الاتفاقية بأن الدول الأعضاء فى منظمة التجارة العالمية يجب أن تتيح لأصحاب حقوق الملكية الفكرية إجراءات قضائية مدنية ليتمكنوا من اللجوء إلى القضاء بحيث تغطي هذه الإجراءات كافة حقوق الملكية الفكرية المنصوص عليها فى اتفاقية التربس ، وأكدت حق المدعى عليه فى أن يتلقى إخطارا  مكتوبا ومفصلا بالإجراء الذى يتخذ فى مواجهته فى الوقت المناسب يتضمن الأساس الذى يستند إليه الإدعاء ، ويسمح لأطراف الحقوق بتوكيل من يرونه من المحامين المستقلين لتمثيلهم.
 وتقضي المادة 42 أيضا بأن التشريعات الوطنية يجب ألا تتضمن إجراءات معقدة أو مرهقة أكثر مما ينبغي تتعلق بإلزام أطراف الخصومة بالحضور شخصيا ، فليس من الضروري حضور ممثل الأصيل شخصيا ، إذ يكتفي بحضور من ينوب عنه من المحامين المرخص لهم بمزاولة المهنة وفقا للتشريع الوطني ( ).
 وأكدت المادة أيضا حق كل الأطراف فى إثبات ما يدعونه بتقديم ما يرونه من أدلة تدعم الإدعاء بكل وسائل الإثبات مع مراعاة قواعد الإثبات الإجرائية.
 ويجب أن تتوافر فى التشريع الوطني قواعد تسمح بحماية المعلومات السرية          – ما لم يكن دستور الدولة يحظر السرية فى المنازعات المدنية – وعلى وجه الخصوص فى الحالات التى يكون هناك التزام قانوني فيها على أحد الأطراف بعدم الإفصاح عن الأسرار.
 وتشمل عبارة  ” أصحاب الحقوق” right holders الواردة فى المادة 42 الاتحادات والجمعيات التى يكون لها صفة قانونية ( ) ، ويعتمد وضع الاتحادات والجمعيات federations and associations   بصفة أساسية على القانون            الوطني الذى أنشئت فى ظله . فإذا كان القانون الوطنى يعترف لها بالوجود ، فإن هذه الاتحادات والجمعيات يحق لها الاستفادة من أحكام الإنفاذ المنصوص عليها فى           الاتفاقية ( ) .
ومع ذلك لا تشمل عبارة “أصحاب الحقوق” right holders المرخص له ولو كان الترخيص إستئثاريا ، ومن ثم فإن التشريعات الوطنية يجوز لها أن تقصر الحق فى  رفع الدعاوى القضائية على مالك العلامة التجارية أو البراءة أو حقوق الملكية الفكرية الأخرى أو من يمثله ، وإن كانت بعض التشريعات الوطنية تقر هذا الحق أيضا للمرخص له استئثارياً .
2- الأدلــة :                                                           Evidence 
 عالجت المادة 43/1 تربس مشكلة صعوبة إثبات صاحب حق من حقوق الملكية الفكرية واقعة الاعتداء على حقه بسبب وجود الأدلة التى تثبت الاعتداء فى حيازة المعتدى على الحق، فأوجبت على الدول الأعضاء فى منظمة التجارة العالمية أن تخول للسلطات القضائية صلاحية إلزام الخصم بتقديم الأدلة التى فى حوزته، كالمستندات والمكاتبات والدفاتر والعقود ، بالمخالفة للمبدأ المستقر فى كثير من الأنظمة القانونية ، وهو مبدأ عدم جواز إجبار شخص على تقديم دليل ضد نفسه.
 ويشترط لكى تصدر السلطات القضائية أمراً بذلك توافر عدة شروط ذكرتها المادة 43/1 وهى :

1- أن يقدم أحد طرفى الخصومة (سواء كان هو المدى أو المدعى عليه) للسلطة القضائية حججاً كافية تؤيد ما يدعيه.
2- أن يحدد الأدلة التى تتصل بإثبات صحة ما يدعيه، وهذا يعنى الأدلة التى تكون حاسمة فى الدعوى.
3- أن تكون تلك الأدلة فى حيازة الخصم .
4- ألا يترتب على إصدار الأمر الإفصاح عن أسرار الخصم الذى تكون الأدلة فى حوزته، طالما أن من اللازم المحافظة على سرية المعلومات . بمعنى أنه لا يجوز إصدار الأمر إذا كان يترتب على ذلك الإفصاح عن معلومات ، ومن شأنه أن يؤدى إلى حدوث ضرر للخصم لا يمكن إصلاحه، أو ضرر كان يمكن تجنبه.
وقد أجازت المادة 43/2 للدول الأعضاء فى حالة رفض أحد طرفى الخصومة بمحض إرادته ودون أسباب وجيهة إتاحة المعلومات التى فى حوزته أو عدم تقديمها فى غضون فترة زمنية معقولة أو عرقلة الإجراءات المتعلقة بتنفيذ إجراء قانونى بصورة فادحة ، أن تخول السلطات القضائية إصدار الأحكام الابتدائية والنهائية، إيجاباً أو سلباً ، اعتماداً على المعلومات المقدمة إليها ، بما فى ذلك ما يدعيه الطرف الذى حجبت عنه الأدلة من مزاعم ، شريطة إتاحة الفرصة للأطراف المتخاصمة لإبداء وجهات نظرهم بصدد المزاعم أو الأدلة.
وهذا يعنى أن المحكمة قد تستخلص من رفض الخصم تقديم المعلومات الضرورية التى فى حوزته ، بدون وجود أسباب وجيهة ، أو عرقلته الإجراءات بصوره  واضحة ، صحة ما يدعيه الطرف الذى حجبت عنه هذه المعلومات .
3- الجزاءات المدنيـة :                                           Civil Remedies
 أوجبت الاتفاقية على الدول الأعضاء فى منظمة التجارة العالمية أن تضع فى تشريعاتها الوطنية جزاءات مدنية لردع التعديات على حقوق الملكية الفكرية ، وتناولت فى المادتين 44 ، 45 نوعين من الجزاءات على وجه الخصوص وهما : الأوامر القضائية بالامتناع عن التعدى injunctions ، والتعويضات damages . كما تناولت فى المادة 46 بعض الجزاءات الأخرى . ونوضح ذلك على الوجه التالي :
(أ) الأوامر القضائية بالامتناع عن التعدى :                             Injunctions
  وفقا للمادة 44/1 من الاتفاقية يجب على الدول الأعضاء أن تخول السلطات القضائية صلاحية إصدار أوامر قضائية مضمونها الامتناع عن التعدى على حقوق الملكية الفكرية . وقد خصت الاتفاقية بالذكر إحدى الحالات التى تقتضي إصدار هذه الأوامر لأهميتها وهي حالة استيراد سلع تنطوى على تعد على حق من حقوق الملكية الفكرية، حيث تصدر الأوامر القضائية injunctions فى هذه الحالة بغرض منع دخول تلك السلع إلى القنوات التجارية بعد الإفراج أو التخليص الجمركي عليها مباشرة.
 وتختلف تلك الأوامر القضائية injunctions عن التدابير المؤقتة provisional measures التى عالجتها المادة 50 من اتفاقية التربس ، حيث أن الاتفاقية عالجت فى المادة 44 الأوامر القضائية باعتبارها جزاءاً مدنيا لمنع استمرار التعديات التي وقعت بالفعل وهى لا تشمل التدابير المؤقتة ، التى عالجتها المادة 50 ، وهى تصدر لمنع وقوع التعدى ، أو للمحافظة على الأدلة من الضياع ( ). ويجب أن يكون إصدار الأوامر القضائية متاحا للسلطات القضائية سواء كانت البضاعة على الحدود أو فور الإفراج عنها من الجمارك مباشرة .
 ولا يلزم اتخاذ هذا التدبير فى مواجهة من يحوز سلعاً تنطوى علي تعد على حق من حقوق الملكية الفكرية بحسن نية . ويعد الحائز حسن النية إذا كان قد حصل على تلك السلع أو طلب توريدها إليه دون أن يعلم، أو دون أن تكون لديه أسباب معقولة للعلم ، بأن تلك السلع تنطوى على اعتداء على حق من حقوق الملكية الفكرية . وهذا يعنى أن الاتفاقية لا تلزم الدول الأعضاء فى منظمة التجارة العالمية بأن تخول للسلطات القضائية صلاحية إصدار تلك الأوامر ضد من يحوز سلعا تنطوى على إعتداء على حق من حقوق الملكية الفكرية طالما أن حيازته لتلك السلع كانت بحسن نية .
(ب) التعويضـات :                                                        Damages
 وهي النوع الثاني من الجزاءات المدنية التى عالجتها الاتفاقية . وقد أوجبت المادة 45/1 على الدول الأعضاء أن تضمن قوانينها ما يخول للسلطات القضائية صلاحية أن تقضي بتعويضات كافية لصاحب الحق مقابل الضرر الذي يلحقه بسبب الاعتداء العمدى على حقه . ويعتبر الاعتداء على حق من حقوق الملكية الفكرية عمديا – فى مفهوم النص – إذا كان المعتدى عالما أو إذا توافرت لديه أسباب معقولة للعلم ، بأنه يعتدى على الحق.
 وعلى الرغم من عدم وضوح معنى عبارة “تعويضات كافية مقابل الضرر” “damages adequate to compensate for the injury”  الواردة فى المادة 45/1 تربس إلا أن وصف التعويضات بأنها كافية ربما يشير إلى أن التعويضات فى حالة المخالفة العمدية يجب أن تفوق من حيث قيمتها التعويضات ” المناسبة ” . وهذا الوصف الأخير استعملته المادتان 50/7 ، 56 تربس ( ) للتعويضات التى يجب أن تقررها التشريعات الوطنية للمدعى عليه عما يلحقه من ضرر بسبب التدابير المؤقتة ( المادة 50/7 ) ، ولمستورد السلع وصاحبها والمرسل إليه عما عسي أن يلحقهم من أضرار بسبب القرار الخاطئ الذى تتخذه السلطات فى أعقاب الطلب الذى يقدم لوقف الإفراج الجمركى عن السلع ( المادة 56) .    
 وقد أوجبت المادة 45/2 تربس على الدول الأعضاء أن تخول للسلطات القضائية أيضا صلاحية أن تقضى بالزام المعتدي بأن يدفع لصاحب الحق المصروفات التى تكبدها، والتى قد تشمل أتعاب المحاماه المناسبة .
 كما أجازت الاتفاقية للدول الأعضاء – دون الزام عليها – أن تخول للسلطات القضائية صلاحية أن تقضى بالزام المعتدى برد ما حصل عليه من أرباح إلى صاحب حق الملكية الفكرية ، أو الزامه بدفع تعويضات محددة سلفا ( ) ، سواء كان الاعتداء على حق الملكية الفكرية عمدا أو بدون عمد . ويعتبر الاعتداء غير عمدى إذا لم يكن المعتدى عالما أو لم تكن لديه أسباب معقولة للعلم ، بأن ما يفعله يشكل تعديا على الحق . (مادة 45 فقرة 2).
 
(ج) الجزاءات الأخرى :                                         Other Remedies 
 وبالإضافة إلى الأوامر القضائية بالامتناع عن التعدي injunctions ، والتعويضات damages وضعت الاتفاقية فى المادة 46 جزاءات أخرى بغرض إقامة نظام رادع وفعال لمواجهة التعدي، فأوجبت على الدول الأعضاء فى منظمة التجارة العالمية أن تخول للسلطات القضائية الصلاحية فى الأمر بالتصرف فى السلع التى تنطوي على تعد على حق من حقوق الملكية الفكرية خارج القنوات التجارية بما يضمن تجنب الأضرار التى عسى أن تلحق بصاحب الحق ، بدون دفع أي تعويضات لأصحاب تلك السلع ( ) . كما يجب أن تخول السلطات القضائية الصلاحية فى أن تأمر بإتلاف تلك السلع المتعدية ما لم يكن الإتلاف متعارضا مع نصوص الدستور ( ) .
 وبالإضافة إلى ذلك يجب أن تخول السلطات القضائية صلاحية الأمر بالتصرف فى المواد والمعدات التى تستخدم بصورة رئيسية فى صنع السلع التى تنطوي على التعدي خارج القنوات التجارية دون دفع أي تعويضات لأصحابها ، وذلك من أجل التقليل إلى أقصى حد من حدوث مزيد من التعديات فى المستقبل . وتأخذ السلطات القضائية فى الاعتبار مدى جسامة التعدي ، بحيث تتناسب الجزاءات التى تأمر بها مع درجة خطورة التعدي .
 وفيما يتعلق بالسلع التي تحمل علامات تجارية مقلدة أو مزيفة فلا يكفى لاتخاذ قرار بالإفراج عنها ، وتداولها فى القنوات التجارية ، مجرد إزالة العلامات التجارية الملصقة عليها ، إلا فى الأحوال الاستثنائية . والحكمة من ذلك هو تجنب الالتفاف حول أحكام القانون والتحايل عليها، حيث أنه من السهل إزالة العلامات التجارية المزيفة          أو المقلدة الملصقة على السلع التى تنطوي على التعدي ، ثم إعادة لصق العلامات عليها مرة أخرى بعد الإفراج عنها من السلطات المختصة .
4- حق الحصول على المعلومات :                         Right of Information
 من المبادئ القانونية التى تعترف بها الأنظمة القانونية المقارنة مبدأ حق المتهم فى السكوت ، فلا يجبر شخص على الإدلاء بمعلومات تدينه nemo tenetur se ipsim accusare . كما تقرر عديد من التشريعات المقارنة عدم جواز مساءلة الشاهد وإدانته استنادا على أدلة مستمدة من شهادته .
 وخروجا على المبادئ المتقدمة ، فقد أجازت المادة 47 من اتفاقية التربس للدول الأعضاء فى منظمة التجارة العالمية أن تمنح السلطات القضائية صلاحية إجبار المتعدي، فى الحالات التى تقدر فيها خطورة التعدي على حق من حقوق الملكية الفكرية ، على أن يزيح لصاحب الحق الستار عن شخصية من اشتركوا معه فى إنتاج وتوزيع السلع          أو الخدمات التى تنطوي على التعدي وعن أسواق توزيع تلك السلع ، وذلك بغية توفير المعلومات اللازمة لصاحب الحق لمتابعة وتسهيل اتخاذ الإجراءات القانونية ضد شبكات الأنشطة غير المشروعة وخاصة فى مجال التقليد والتزوير .
 ويلاحظ أن المادة 47 لا تجبر الدول الأعضاء فى منظمة التجارة العالمية على منح السلطات القضائية صلاحية اتخاذ هذا التدبير ، تجنباً للتعارض مع دساتير بعض الدول التى تقرر حق المتهم فى السكوت ، وعدم جواز مساءلة الشاهد وإدانته استنادا إلى أدلة مستمدة من شهادته ( ) .  وهذا يعنى أن اتفاقية التربس تجيز للدول الأعضاء أن تقرر فى تشريعاتها أن من حق المتعدي على حق من حقوق الملكية الفكرية السكوت عند استجوابه تطبيقا لمبدأ عدم جواز إجبار شخص على الإدلاء بمعلومات تتضمن إدانته .
5- إساءة استعمال إجراءات الإنفاذ :      Abuse of enforcement procedures
 عالجت المادة 48 تربس مسألة إساءة استعمال إجراءات الإنفاذ التى تنص عليها الاتفاقية ، كما لو طلب صاحب علامة تجارية مسجلة إصدار أمر من القضاء injunction بمنع دخول منتجات مستوردة فى حيازة المدعي عليه إلى القنوات التجارية بزعم أنها تحمل العلامة التجارية بدون إذن ، ثم يتبين بعد إصدار الأمر أن المنتجات المستوردة تحمل العلامة استنادا إلي عقد ترخيص باستغلال العلامة، ويكون إصدار الأمر بطريق الخطأ بناء على طلب صاحب العلامة قد أدى إلى وقوع أضرار جسيمة لحقت بالمدعي عليه .
 وتقضي المادة 48 بإلزام الدول الأعضاء فى منظمة التجارة العالمية بأن تخول للسلطات القضائية صلاحية أن تأمر الطرف الذي اتخذت إجراءات الإنفاذ بناء على طلبه على سبيل الخطأ بدفع تعويضات كافية لجبر الضرر الذى أصاب الغير طالما أن الطالب أساء استعمال إجراءات الإنفاذ . كما يلزم أن تخول السلطات القضائية صلاحية أن تأمر المدعي بدفع المصروفات التى تكبدها المدعي عليه ، والتي يجوز أن تشمل أتعاب المحاماة .
6- الإجراءات الإداريـة :                          Administrative procedures
  من المعلوم أن بعض الدول تخول للجهات الإدارية التى تحددها صلاحية فرض جزاءات مدنية . وهذا يعنى أن الاختصاص فى فرض الجزاءات المدنية يكون لجهة إدارية لها اختصاص قضائي ، وليس للسلطات القضائية .
 وقد عالجت المادة 49 تربس هذا الوضع ، فأوجبت على الدول الأعضاء فى منظمة التجارة العالمية التى تخول لجهة إدارية صلاحية فرض جزاءات مدنية مراعاة أن تتفق الإجراءات التى تتبعها الجهة الإدارية فى فرض الجزاءات المدنية ، فيما يتصل بموضوع الدعوى ، مع المبادئ المتقدمة المنصوص عليها فى القسم الثاني من الجزء الثالث فى شأن بالإجراءات والجزاءات المدنية والإدارية ( المواد من 42 – 49).

الفرع الثالث
التدابير المؤقتـــة
Provisional Measures
 من الالتزامات العامة التى فرضتها اتفاقية التربس فى المادة 41 فقرة 1 على الدول الأعضاء فى منظمة التجارة العالمية الالتزام باتخاذ تدابير فعالة ضد أى تعد على حقوق الملكية الفكرية ، بما فى ذلك الجزاءات السريعة expeditious remedies لمنع التعديات ، والجزاءات التى تشكل ردعا لأى تعديات لاحقة .
 واتساقا مع ذلك ، تناولت المادة 50 من الاتفاقية ما يجب توفيره من تدابير مؤقتة فى التشريعات الوطنية للدول الأعضاء ، فقد أوجبت الفقرة الأولي من المادة 50 على الدول الأعضاء أن تخول صلاحية اتخاذ تدابير مؤقتة فورية وفعالة للسلطات القضائية ، وأوضحت أن الغرض من هذه التدابير له شقين هما :
(أ‌) منع وقوع تعد على أى حق من حقوق الملكية الفكرية ، لا سيما منع السلع التى تنطوي على اعتداء ، بما فى ذلك السلع المستوردة فور التخليص عليها جمركيا ، من دخول القنوات التجارية .
(ب‌) المحافظة على الأدلة التى تثبت وقوع التعدى المزعوم .
  ولكي تتأكد السلطات القضائية بدرجة كافية من أن المدعي هو صاحب حق من حقوق الملكية الفكرية ، وأن هذا الحق وقع اعتداء عليه ، أو أن الاعتداء عليه وشيك الوقوع ، يجب أن تخول التشريعات الوطنية لها صلاحية أن تأمر المدعى بتقديم أدلة معقولة تفيد ذلك ، وأن تأمره بتقديم تأمين أو كفالة بالقدر الذى يكفي لحماية المدعي عليه من إساءة استعمال المدعى لحقوقه أو لتنفيذها (مادة 50 فقرة 3) .
 ويجب أن تخول السلطات القضائية صلاحية اتخاذ التدابير المؤقتة فى غيبة الطرف الآخر وبدون إخطاره inaudita altera parte ، حيثما يكون ذلك ملائما ، فى حالتين :
(أ‌) إذا كان من المرجح أن يسفر أى تأخير عن إلحاق أضرار بصاحب الحق يصعب تعويضها .
(ب‌) إذا كان من الواضح أن من المحتمل إتلاف الأدلة ( مادة 50 فقرة 2).
  وفى حالة اتخاذ تدابير مؤقتة فى غيبة الطرف الآخر ، يجب إخطار كافة الأطراف التى تتأثر من جراء اتخاذ التدابير دون تأخير عقب تنفيذ التدبير على أقصى تقدير. ويحق للمدعى عليه أن يعترض على التدبير ويطلب إعادة النظر فيه مع احتفاظه بالحق فى عرض وجهة نظره بشأن تعديل التدبير أو إلغائه أو تثبيته فى غضون فترة معقولة عقب الإخطار بالتدابير ( مادة 50 فقرة 4).
 ويلغي التدبير بناء على طلب المدعي عليه أو إذا لم يقم المدعي بإقامة دعواه الموضوعية بأصل الحق خلال المدة المعقولة التى تحددها السلطة القضائية التى أمرت باتخاذ التدبير المؤقت . فإذا لم تحدد السلطة القضائية تلك المدة المعقولة يلغي التدبير فى موعد أقصاه 20 يوم عمل أو 31 يوما أيهما أطول ( مادة 50 فقرة 6) . ويمكن للمدعى عليه أن يطلب تعويضات مناسبة من المدعي فى هذه الحالة ، وكذلك الشأن إذا لم يرفع المدعي دعواه الموضوعية خلال المدة المشار إليها ( المادة 50 فقرة 7).
 وإذا كان التشريع الوطني يقرر اختصاص جهة إدارية ذات اختصاص قضائي باتخاذ التدابير المؤقتة تطبق القواعد المتقدمة ( مادة 50 فقرة 8).
 ومن أمثلة التدابير المؤقتة التى تصدر من السلطات القضائية المختصة فى الدول ذات النزعة الأنجلوسكسونية أوامر الاستجواب لصون الأدلة interlocutory orders to preserve evidence وتلزم هذه الأوامر المدعي عليه بأن يجيب على ما يطرح عليه من أسئلة خلال الاستجواب ، أو تلبية للطلب الذي يقدم من المدعي بكشف الأدلة.
     وفى انجلترا تصدر السلطات القضائية أوامر تعرف بـ Anton Piller orders ( ) بناء على طلب يقدمه المدعي عن بعد in camera وفى غيبة المدعي عليه ex parte . وبموجب الأمر Anton Piller  يطلب من المدعي عليه ، الذى يحق له لدى مفاجأته بتنفيذ الأمر استشارة محاميه ، أن يسمح للمدعي بتفتيش محله للعثور على أدلة تثبت واقعة الاعتداء على حقه . ويتيح الأمر Anton Piller  لمن يصدر لصالحه إمكانية التحفظ على الأدلة ونسخ أو تصوير المواد والمستندات التى تدل على حدوث الاعتداء . وقد يطلب من المدعي عليه التخلي عن المواد التى تنطوى على اعتداء والأدوات المستخدمة فى التعدي ، وقد يطلب منه أيضا الإقصاح عن مصادر المواد أو أماكن الأشياء التى تنطوى على اعتداء . ويعتبر رفض المدعي عليه تنفيذ الأمر بمثابة امتهان أو تحقير للمحكمة ( ) .
 ومن قبيل التدابير المؤقتة التى تخول تشريعات الدول العربية للسلطات القضائية اتخاذها فى غيبة الخصم ، بما يتوافق مع اتفاقية التربس ، ما تقرره المادة 115 من قانون حماية حقوق الملكية الفكرية المصري رقم 82 لسنة 2002 فى الباب الأول – وهو خاص بالعلامات والبيانات التجارية والمؤشرات الجغرافية – من الكتاب الثاني ، فهى تخول لرئيس المحكمة المختصة بأصل النزاع بناء على طلب كل ذي شأن ، وبمقتضى أمر على عريضة ، أن يأمر بإجراء أو أكثر من الإجراءات التحفظية المناسبة ، وعلى وجه الخصوص : 1- إثبات واقعة الاعتداء على الحق محل الحماية ؛ 2- إجراء حصر ووصف تفصيلي للآلات والأدوات التى تستخدم أو تكون قد استخدمت فى ارتكاب الجريمة والمنتجات أو البضائع أو عناوين المحال أو الأغلفة أو الفواتير أو المكاتبات         أو وسائل الإعلان أو غير ذلك مما تكون قد وضعت عليه العلامة أو البيان أو المؤشر الجغرافي موضوع الجريمة ، وكذلك البضائع المستوردة من الخارج أثر ورودها ؛            3- توقيع الحجز على الأشياء المذكورة . ولرئيس المحكمة فى جميع الأحوال أن يأمر بندب خبير أو أكثر لمعاونة المحضر المكلف بالتنفيذ ، وأن يفرض على الطالب إيداع كفالة مناسبة . وقد أوجبت الفقرة الأخيرة من المادة 115 على الطالب أن يرفع أصل النزاع إلي المحكمة المختصة خلال خمسة عشر يوما من تاريخ صدور الأمر وإلا زال كل أثر له .
 ووفقا للمادة 116 من القانون يجوز لمن صدر ضده الأمر أن يتظلم منه إلى رئيس المحكمة الآمر خلال ثلاثين يوما من تاريخ صدوره أو إعلانه له حسب الأحوال ، ويكون لرئيس المحكمة تأييد الأمر أو إلغاؤه كليا أو جزئيا .

 
المبحث الثالث
تدابير خاصة لمواجهة الاتجار الدولى فى السلع التى تحمل علامات
مزورة أو تنطوى على انتحال لحقوق المؤلفين
تقسيــم:
بالإضافة إلى قواعد الإنفاذ المتقدمة التى تخضع لها كافة حقوق الملكية الفكرية التى عالجتها  الاتفاقية ، فقد اهتمت الاتفاقية بوضع قواعد خاصة لمواجهة ظاهرة تجارة السلع المزيفة على المستوى الدولى . وقد وردت هذه القواعد الخاصة فى القسمين الرابع والخامس  من الجزء الثالث من الاتفاقية ، وهى تتعلق بالتدابير الحدودية (القسم الرابع) ، والإجراءات الجنائية (القسم الخامس). وقد ألزمت الاتفاقية الدول الأعضاء فى منظمة التجارة العالمية باتخاذ التدابير والإجراءات الواردة فى هذين القسمين ( المواد من                 51 – 61) فى حالات استيراد سلع تحمل علامات تجارية مزورة أو تنطوى على انتحال لحقوق المؤلفين والحقوق المجاورة ، وتركت الخيار للدول الاعضاء فى اتخاذ تلك التدابير أو عدم  اتخاذها فيما يتصل بالسلع التى تنطوى على تعديات على طوائف الملكية الفكرية الاخرى من براءات اختراع ورسوم ونماذج صناعية وغير ذلك.
وسوف نعالج تلك التدابير الحدودية ، ثم نتناول الاجراءات والعقوبات الجنائية كل فى فرع مستقل .
الفرع الأول
التدابير الحدودية
Border Measures
تناولت اتفاقية التربس فى القسم الرابع من الجزء الثالث منها ( المواد مـن         51 – 60) القواعد الخاصة بالتدابير الحدودية . وهذه القواعد تنظم كيفية واجراءات التعامل مع السلع المزمع استيرادها التى تنطوى على إعتداء على العلامات التجارية أو انتحال لحقوق المؤلفين ، وتلزم الدول الأعضاء باحترامها . وهى تجيز للدول الأعضاء أن تمد نطاق تطبيق التدابير الحدودية المتقدمه إلى السلع التى تنطوى على تعديات على حقوق ملكية فكرية أخرى وسوف نوضح ذلك بالتفصيل كالاتى:
1- إيقاف الإفراج عن السلع من جانب السلطات الجمركية :
Suspension of release by customs authorities 
تلزم المادة 51 من الاتفاقية الدول الأعضاء فى منظمة التجارة العالمية بأن توفر فى تشريعاتها الوطنية قواعداً إجرائية تتيح لأصحاب العلامات التجارية المسجلة وأصحاب حقوق المؤلف والحقوق المجاور، الذين يوجد لديهم أسباب مشروعة تدعو للارتياب فى  أن السلع المزمع استيرادها تحمل علامات تجارية مزورة أو تنطوى على انتحال لحقوق المؤلفين والحقوق المجاورة ، أن يتقدموا بطلب كتابى إلى السلطة المختصة ( سواء كانت هذه السلطة جهة قضائية أو إدارية) لكى توقف السلطات الجمركية إجراءات الإفراج عن تلك السلع وتداولها.
والمقصود بالسلع التى تحمل علامات تجارية مزورة ، فى مفهوم الاتفاقية ، أى سلع، بما فى ذلك  العبوات ، تحمل دون إذن علامة تجارية مطابقة لعلامة تجارية مسجلة بطريق مشروع لتمييز سلع مماثلة ، أو السلع التى تحمل علامة لا تختلف اختلافا كبيرا  عن تلك العلامة التجارية المسجلة ، ومن ثم تنطوى على اعتداء على حقوق صاحب العلامة التجارية المعنية وفقا لقوانين الدولة التى يتم فيها الاستيراد .
والحكمة من إتاحة تقديم طلبات لكى توقف السلطات الجمركية الإفراج عن تلك السلع المزيفة قبل دخولها  إلى الأسواق الداخلية وتداولها جلية ، فلا ريب أن ضبط السلع المزيفة قبل تجاوزها  للحدود الجمركية أيسر وأجدى بكثير من التعامل معها بعد تخطى الحدود الجمركية ودخولها إلى الأسواق ، فمن الغنى عن البيان السلع المزيفة إذا تم الإفراج عنها يصعب تتبعها وضبطها بعد تداولها وانتشارها فى أماكن متفرقة داخل حدود الدولة.
ويقتصر التزام الدول الأعضاء فى منظمة التجارة العالمية باتخاذ تلك التدابير بصدد السلع التى يوجد ما يدعو إلى الارتياب فى انها تحمل علامات تجارية مزورة أو تنطوى على انتحال لحقوق المؤلفين  والحقوق المجاورة ، ومن ثم لا يوجد ما يلزم الدول الأعضاء بأن تتخذ تلك التدابير بصدد السلع التى يوجد ما يدعو إلى الارتياب فى أنها تنطوى على اعتداء على براءة اختراع ، أو رسم أو نموذج صناعى أو غير ذلك من تعديات على طوائف الملكية الفكرية الاخرى . وهذا يوضح بجلاء مدى إهتمام الاتفاقية بوضع أحكام خاصة لمواجهة ظاهرة الاتجار الدولى فى سلع تحمل علامات تجارية مزورة أو تنطوى على انتحال لحقوق المؤلفين والحقوق المجاورة. كما يقتصر التزام الدول بإتخاذ تلك التدابير بصدد السلع المزمع استيرادها ، دون السلع المزمع تصديرها.
ومع ذلك يجوز للدول الأعضاء أن تتوسع فتقرر فى تشريعاتها اتخاذ التدابير الحدودية بما يتجاوز التزاماتها المنصوص عليها فى الاتفاقية ، شريطة ألا يؤدى ذلك إلى إقامة حواجز أمام التجارة المشروعة ، فيجوز لها – إن شاءت – أن تتوسع فى نطاق تطبيق تلك التدابير لتشمل السلع التى يوجد مايدعو الى الارتياب فى أنها تنطوى على اعتداء على طوائف الملكية الفكرية الأخرى كبراءات  الاختراع ، والرسوم والنماذج الصناعية ، أو تعامل السلع المزمع تصديرها من أراضيها ذات معاملة السلع المزمع استيرادها فيما يتعلق بالتدابير المذكورة.
ولا تلتزم الدول الأعضاء فى منظمة التجارة العالمية ، تطبيقا لحكم المادة 51 ،             بأن تتخذ التدابير الحدودية المتقدمة فيما يتصل بالبضائع العابرة لحدود الدولة           (الترانزيت) ( ). ولايسرى الالتزام بإتخاذ التدابير الحدودية على النحو المتقدم على الدول الأعضاء فى منظمة التجارة العالمية التى تكون اتحادات جمركية تسمح بتدفق السلع فيما بينها بدون حواجز أو رسوم جمركية.
ومن الغنى عن البيان أن عدد المنافذ الجمركية يتزايد عادة فى أى دولة كلما زادت مساحتها وكثرت موانيها . وعندما يكثر عدد المنافذ الجمركية فى دولة عضو فى منظمة التجارة العالمية يصعب على صاحب العلامة التجارية المسجلة أو حق المؤلف والحقوق المجاورة أن يقدم طلبا مستقلا فى كل منفذ جمركى على حده لإيقاف الإفراج عن السلع المزمع استيرادها التى تنطوى على اعتداء على حقه ، حيث أن تعدد الطلبات التى        يقدمها ، وخضوع كل طلب على حده لإجراءات مستقلة يكبده مشقة بالغة ومصروفات طائلة . ولما كانت المادة 41 (2) من الاتفاقية قد فرضت على الدول الأعضاء التزاما عاما مضمونه ألا تكون إجراءات الإنفاذ معقدة أو باهظة التكاليف بصورة غير ضرورية أو تستغرق وقتا طويلا لا مبرر له أو تأخير لا داعى منه ، فإن هذا الالتزام يفرض على الدول الأعضاء تذليل الصعوبات الناتجة عن تعدد طلبات إيقاف الإفراج عن تلك السلع   وخضوع كل طلب لإجراءات منفصلة عن الطلبات الأخرى ، عن طريق وضع قواعد تبسط الإجراءات دون تعقيد وتتجنب كثرة المصاريف والرسوم بالكيفية التى تراها ملائمة.
ومن الجدير بالذكر أن المادة 60 من اتفاقية التربس أجازت للدول الأعضاء استبعاد تطبيق التدابير الحدودية المتقدمة إذا كانت السلع التى تنطوى على اعتداء على حق من حقوق الملكية الفكرية غير مزمع استيرادها لأغراض تجارية ، ومن ثم يجوز للدول الأعضاء أن تستبعد السلع الواردة من الخارج ضمن الأمتعة الشخصية للمسافرين أو التى ترسل فى طرود صغيرة من الخضوع لأحكام التدابير الحدودية الواردة فى القسم الرابع من الجزء الثالث من الإتفاقية .
2- طلب ايقاف الإفراج الجمركى عن السلع : Suspension of release application
 أ – ممن يقدم الطلب:
 ذكرنا فيما تقدم أن المادة 51 تربس تلزم الدول الأعضاء بأن توفر فى تشريعاتها قواعداً اجرائية لتمكين صاحب الحق a right holder من تقديم طلب الى السلطات المختصة لتوقف اجراءات الافراج عن السلع التى يكون لديه اسباب مشروعة للارتياب فى إنها تنطوى على إعتداء على العلامة التجارية المسجلة أو حق المؤلف والحقوق المجاورة .
ويتضح من ذلك أن التدابير الحدودية يلزم اتخاذها لحماية صاحب الحق                        a right holder من الاعتداء على علامته التجارية المسجلة أو حق المؤلف والحقوق المجاورة دون سواه . وهذا يعنى أن الاتفاقية لا تلزم الدول الأعضاء بأن تتيح للمرخص له باستعمال العلامة التجارية ، أو المرخص له باستغلال حق المؤلف والحقوق المجاورة إمكانية تقديم طلب لإيقاف الإفراج عن السلع التى يعتقد أنها مزيفة ، ولو كان الترخيص استئثارياً ، غير أنه لا يوجد فى الاتفاقية ما يحظر على الدول الأعضاء تخويل المرخص له ، خاصة فى عقود الترخيص الاستئثارى ، الحق فى تقديم طلب للإيقاف عن الإفراج عن السلع المذكورة ( ) .
    ب- قواعد وإجراءات تتصل بالطلب:
وضعت اتفاقية التربس عدة قواعد إجرائية يجب مراعاتها بصدد طلبات إيقاف الإفراج عن السلع وهى:
أ –  على من يشرع فى طلب إيقاف الإفراج عن السلع أن يقدم أدلة كافية لإقناع السلطات المختصة بوجود تعد ظاهر على حقه (مادة 52). ومعنى ذلك أنه يجب على مقدم الطلب تقديم ما يدل على أنه صاحب الحق فى العلامة التجارية أو حق المؤلف والحقوق المجاورة بحسب الأحوال ، بالإضافة إلى تقديم ما يدل على وجود تعد ظاهر على هذا الحق. ومن الغنى عن البيان أن من اليسير على مالك العلامة التجارية المسجلة التدليل على أنه صاحب الحق عن طريق تقديم شهادة من الجهة الإدارية المختصة تفيد أن العلامة مقيدة باسمه فى سجل العلامات . وعلى النقيض من ذلك إذا كان طلب وقف الإفراج عن السلع يستند إلى انها تنطوى على تعد على علامة مشهورة غير مسجلة ( ) ، ففى هذه الحالات قد تواجه سلطات الجمارك بعض المشكلات بسبب صعوبة تقرير ما إذا كانت العلامة مشهورة أم انها ليست كذلك ، فضلا عن عدم توافر الخبرة لدى رجال الجمارك فى مسائل الملكية الفكرية .
ب – يجب أن يذكر الطالب وصفاً تفصيلياً للسلع التى يدعى انها تنطوى على إعتداء على علامته التجارية أو حق المؤلف والحقوق المجاورة ، حتى يسهل على السلطات الجمركية التعرف عليها (مادة 52) . وتفيد هذه المعلومات السلطات المختصة لدى النظر فى إتخاذ قرار إيقاف الإفراج عن السلع القادمة من الخارج للمستورد أو للمرسل إليه.
جـ- يجب إخطار كل من المستورد وطالب وقف الإفراج بالقرار الصادر بوقف الإفراج عن السلع فور صدوره ( مادة 54 تربس ) .
د – إذا لم يقم الطالب برفع دعواه الموضوعية وإخطار السلطات الجمركية بما يفيد ذلك خلال 10 أيام من تاريخ إخطاره بقرار وقف الإفراج عن السلع ، تفرج السلطات الجمركية عن السلع طالما أن كافة الشروط المتصلة بالاستيراد قد توافرت ، ما لم تكن السلطة المختصة قد اتخذت تدابيراً من شأنها إطالة مدة وقف الإفراج عن السلع. ويجوز لتشريعات الدول الأعضاء أن تمد هذه المهلة 10 أيام عمل أخرى فى الحالات المناسبة التى تقتضى ذلك (مادة 55).
هـ- وإذا كان قرار وقف الإفراج الجمركى عن السلع قد اتخذ كتدبير مؤقت تطبيقا لحكم المادة 50 من الاتفاقية ، فإن السلطة القضائية التى أمرت بإيقاف الإفراج هى التى تحدد الميعاد الذى يجب فيه على المدعى ان يرفع دعواه الموضوعية . فإذا لم تحدد الجهة القضائية التى أمرت بإيقاف الإفراج هذا الميعاد ، يلغى الإيقاف إذا لم يرفع المدعى دعواه الموضوعية خلال فترة لاتجاوز 20 يوم عمل أو 31 يوما من أيام السنة الميلادية أيهما أطول (المادة 55 ، 50 فقرة 6).
و – وإذا رفع المدعى دعواه الموضوعية فإن المدعى عليه يحق له أن يطعن فى قرار الإيقاف وأن يعرض وجهة نظره بغية اتخاذ قرار فى غضون فترة زمنية معقولة حول ما إن كان سيتم تعديل قرار الإفراج أو إلغاؤه أو تثبيته (مادة 55).
3-  ضمانات لتعويض الأضرار الناتجة عن إيقاف الإفراج بدون وجه حق:
أوجبت المادة 53 تربس على الدول الأعضاء فى منظمة التجارة العالمية ، تجنباً لإساءة استخدام الحق فى طلب إيقاف الإفراج عن السلع المزمع استيرادها ، تخويل الصلاحية للسلطات القضائية فى أن تطلب من المدعى (الطالب) تقديم تأمين أو كفالة، بغرض حماية المدعى عليه والسلطات المختصة من الأضرار الناتجة عن إساءة استعمال الحق فى تقديم طلبات لإيقاف الإفراج عن السلع بدون وجه حق .
ويجب ألا يكون مبلغ التأمين الذى يطلب من  المدعى (الطالب) تقديمه مبالغاً فيه فيحول دون لجوئه إلى طلب وقف الإفراج عن السلع المذكورة .
ووفقا للمادة 56 تربس( )  يجب أن تخول السلطات المختصة الصلاحية فى أن تأمر مقدم طلب إيقاف الإفراج بأن يدفع للمستورد وللمرسل إليه ولصاحب السلع تعويضات مناسبة عن أى أضرار  تلحق بهم بسبب إيقاف الإفراج ، وذلك إذا تقرر إلغاء القرار الذى صدر خطأ بالإيقاف ، أو إذا تم الإفراج عن السلع بعد إنقضاء الفترة التى كان يجب على المدعى أن يرفع فيها دعواه الموضوعية وفقا لحكم المادة 55 تربس دون أن يفعل ذلك.
4 – حق المعاينة والحصول على المعلومات :
Right of inspection and information
أوجبت المادة 57 تربس على الدول الأعضاء ، دون إخلال بحماية المعلومات السرية ، أن تخول الصلاحية للسلطات المختصة فى أن تمنح المدعى (طالب إيقاف الإفراج) فرصة كافية لمعاينة السلع التى تحتجزها السلطات الجمركية لتمكينه من إثبات صحة إدعاءاته ، كما يجب منح المستورد فرصة مساوية لمعاينة تلك السلع .
وقد استحدثت المادة 57 تربس حكماً هاماً ، إذ أوجبت تخويل الصلاحية للسلطات المختصة ، بعد أن يصدر حكم فى الموضوع لصالح المدعى ، بأن تزود المدعى بالمعلومات الخاصة بأسماء المرسل والمستورد والمرسل إليه ، وكمية السلع التى تنطوى على تعد . والحكمة من ذلك هى مساعدة صاحب الحق فى الحصول على المعلومات اللازمة ليتعرف على الأشخاص المتورطين فى تصنيع وتجارة السلع المزيفة لملاحقتهم.
5 –  إيقاف الإفراج الجمركى عن السلع بدون تقديم طلب :       Ex officio action
يجوز للدول الأعضاء – إن شاءت – أن تضع فى تشريعاتها الوطنية نظاماً يسمح للسلطات المختصة بأن توقف الإفراج الجمركى عن السلع التى تنطوى على تعد ظاهر على حق من حقوق الملكية الفكرية بدون تقديم طلب من أصحاب الشأن ، ويعتمد هذا النظام على السجلات التى تنشأ فى الجمارك وتقيد فيها البيانات المتعلقة بحقوق الملكية الفكرية وأصحابها ، وهو مطبق فى الولايات المتحدة الأمريكية وبعض الأعضاء الأخرى فى منظمة التجارة العالمية مثل هونج كونج، كما كان مطبقا من قبل فى انجلترا. ( )
وقد أجازت المادة 58 من اتفاقية التربس للدول الأعضاء فى منظمة التجارة العالمية – إن شاءت – أن تتبع نظام الإيقاف الجمركى عن السلع دون حاجة إلى تقديم طلب من أصحاب الشأن ex officio action ، غير أنه لا يوجد فى الاتفاقية ما يلزم الدول الأعضاء بإتباع هذا النظام( ) .
ومن الغنى عن البيان أن نظام الإيقاف الجمركى للسلع بدون تقديم طلب يلقى عبئاً كبيراً على السلطات الجمركية ، إذ يوجب  عليها أن تفحص جميع الواردات وتتخذ التدابير اللازمة بصدد السلع التى تنطوى على اعتداء على حقوق الملكية الفكرية بدون حاجة إلى تقديم طلب أو إخطار من ذوى الشأن .
ووفقا للمادة 58 تربس توقف السلطات الإفراج الجمركى عن السلع إذا وجدت أدلة ظاهرة على إنها تنطوى على تعد على حق من حقوق الملكية الفكرية.
ويجوز للسلطات المختصة ان تطلب من صاحب الحق تقديم أية معلومات يمكن أن تساعدها فى ممارسة عملها ( م 58 – أ ).
ويجب إخطار المستورد وصاحب الحق على الفور بقرار إيقاف الإفراج الجمركى( ) . فإذا طعن المستورد فى قرار الإيقاف ، يخضع الإيقاف لذات القواعد المقررة فى المادة 55  تربس – السابق ذكرها – مع ما يلزم من تعديل( ) (م 58- ب).
وتخضع الجهات الحكومية والمسؤلون الرسميون للتدابير المتقدمة فى حالة وقوع اعتداء منهم على حقوق الملكية الفكرية ، ما لم يحدث ذلك (أو تنصرف النية إلى حدوثه ) بحسن نية ( م 58 – ج ).
6- الجـــزاءات :                                                     Remedies
أوجبت المادة 59 تربس تخويل السلطات المختصة صلاحية الأمر بإتلاف السلع التى تنطوى على تعد على حقوق الملكية الفكرية وفقا لذات المبادىء التى ذكرتها المادة 46 والتى سبق شرحها ، وذلك مع عدم الإخلال بالحق فى رفع أى دعوى قضائية أخرى بمعرفة صاحب الحق ، على أن يراعى حق المدعى عليه فى أن يطلب من السلطات المختصة النظر فى قرار الإتلاف. وقد قررت المادة 59 ، شأنها فى ذلك شأن المادة 46، أنه بالنسبة للسلع التى تنطوى على  تزوير للعلامات التجارية ، فإن إزالة العلامات التجارية المزورة من عليها لا يكفى لكى تسمح السلطات بإعادة تصديرها ، إلا فى الأحوال الاستثنائية.
 
الفرع الثانى
الإجراءات والعقوبات الجنائية
Criminal Penalties and Procedures
 وفقا للمادة 61 تربس على الدول الأعضاء فى منظمة التجارة العالمية أن توفر فى تشريعاتها قواعد إجرائية وتضع جزاءات فى حالات التقليد العمدى للعلامة التجارية وانتحال حق المؤلف للأغراض التجارية . ويجب أن تشمل العقوبات فى حالة ارتكاب هذه الجرائم الحبس و / أو الغرامة المالية بالقدر الذى يكفى للردع ، بحيث يتناسب مقدار العقوبة مع مستوى العقوبات المقررة لارتكاب جرائم تماثلها من حيث الخطورة.
 ويجب أن تشمل العقوبات التى يمكن فرضها أيضا ، كلما كان ذلك ملائماً ، حجز السلع التى تنطوى على التعدى ، أو أية مواد ومعدات تستخدم بصورة رئيسية فى ارتكاب الجريمة ، بالإضافة إلى مصادرتها وإتلافها .
 وقد أجازت المادة 61 تربس التوسع فى تطبيق الإجراءات والعقوبات المتقدمة على حالات التعدى على حقوق الملكية الفكرية الأخرى ، وعلى وجه الخصوص تلك التعديات التى تقع عمداً وعلى نطاق تجارى.
                                              

© جميع الحقوق محفوظة 2016