7مايو

"العقوبة ودورها في مكافحة الغش لتجاري و التقليد" ورقة عمل

المحامي والمستشار القانوني
سامي عبد الوهاب مغربي

 

مقدمة
قال الله تعالى: (ويل للمطففين (1) اللذين إذا اكتالو على الناس يستوفون (2) وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون)                                         سورة المطففين – قرآن كريم
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” من غشنا فليس منا”   رواه مسلم – حديث شريف

 

تعريف الغش:

جاء في لسان العرب لإبن منظور ” الغش نقيض النصح وهو مأخوذ من الغشش”
أي “المشرب الكدر”   لسان العرب – باب الغين المعجمة و قال ابن حجر الهيثمي ” الغش المحرم أن يعلم ذو السلعة من نحو بائع أو مشتر فيها شيئ لو إطلع مريد أخذها ما أخذها بذلك المقابل”
ولم تخرج الأنظمة الحديثة في تعريف الغش عن ماساقه علماء العرب والمسلمين وعن حقيقته المتمحورة حول الخداع و التضليل وتغيير الحقائق والبدائل لايقاع المستهلك في مغرة شراء سلعة على أساس أنها سلعة أخرى مع إختلاف جوهري في الجودة و التكوين أو عن طريق مخالفة المواصفات الموضوعة من قبل الجهات المختصة ، وطرق الغش كثيرة وتدخل في كل شئ وقد إتفق رجال القانون على تعريفها في المواد القانونية المجرمة للغش التجاري و التقليد مع قليل من الإختلاف ولكن ملخص الجوهر التعريفي واحد.

وحقيقة الأمر أن المشكلة الكامنة وراء إنتشار الغش التجاري و التقليد هي في حقيقتها ليست مشكلة تعريف ، فالعقل البشرى لن يعجز أن يعيد تعريف الجرم بإعادة صياغة المادة القانونية مرارا وتكرارا لغرض تعريف الغش التجاري و التقليد ، وإنما المشكلة الحقيقية إنما تكمن في العقوبة التي يجتهد رجال القانون و الخبراء في تحديدها ووضعها في محاولة للحد من الظاهرة ولغرض إنزال العقوبة على من يتم ضبطهم من  المخالفين و بالتالي إرسال الرسالة لعامة المجتمع أن نتيجة الغش و التقليد هي العقوبة الصارمة التي تجعل العموم يحجمون عن الإقدام على الغش و التقليد عند موازنة الأمور فيستنتجوا إستنتاجا طبيعيا خاليا من الريبة بأن العقوبة التى ستنزل بهم هي أكبر بكثير من الأرباح الجشعة المتوقعة من وراء الغش التجاري أو التقليد، ومثال ذلك عقوبة السارق و الزاني وشارب الخمر في الشريعة الإسلامية ، إذا تمت العقوبة مشددة بقصد الردع.

ومما نشاهده اليوم من تفشي ظاهرة الغش التجاري و التقليد إنما يعكس بصورة واضحة من أن العقوبة المفروضة ، والتي هي المحك الأساسي الذي يجب أن تبنى عليه المادة القانونية المجرمة للفعل ، هي عقوبة غير كافية ولاتفي بالغرض من وجود النظام كرادع لكل من تسول له نفسه الإقدام على هذا النوع من الممارسات المستهجنة من قبل ذوي العقول السوية.

وما تقدم من ضرورة إعادة النظر في العقوبة المفروضة على ممارسات الغش التجاري و التقليد ليس كافيا وحده للحد من هذه الظاهرة المستشرية ، فإذا إستطاع المشرع أن يخرج بآلية عقوبة صارمة تمنع كل من تسول له نفسه الخوض في مثل هذه الممارسات فإنه يقع لزاما على المشرع أن يخرج بآلية عملية لطبيق وتنفيذ النظام الموضوع وذلك إبتداءا من عملية الضبط وتتبعها إلى مصادرها ووصولاً إلي محاكمة المخالفين وليس ذلك فقط داخل أقليم البلد ولكن تتبع المخالفين من موردين ومصدرين ومصنعين أمام جميع الجهات المحلية والدولية والمحاكم الأقليمية ذات الإختصاص ، وذلك لإيصال الرسالة عالميا أن الغش التجاري و التقليد غير مقبول بأي صورة كانت داخل أقليم المشرع أو خارجه وأنه سيتم ملاحقة كل ذي علاقة إلى أبعد الحدود المتاحة لحماية المستهلك والتاجر من أصحاب الممارسات الجشعة وكل من يعاونهم على ذلك ، وببساطة تامة تتم الملاحقة عن طريق إتفاقيات دولية ثنائية أو إقليمية بين الدول الملاحقة لمجرمي الغش و التقليد.

إن حجم خسائرالقطاع التجاري في المملكة العربية السعودية وحدها علي سبيل المثال قد تجاوز أربعة مليارريال سعودي وذلك حسب إفادة رئيس لجنة مكافحة الغش التجاري بمدينة جده   وعندما نتحدث عن القطاع التجاري فإن ذلك يتضمن الكثير من القطاعات الحيوية مثل قطع غيار المركبات وقطاع الأدوية و المستحضرات الطبية وأغذية الأطفال و غيرها مما لايحصر و لايعد ولكن الإيراد هنا إنما يكون لإلقاء الضوء على الخطورة الكامنة وراء تفشي ظاهرة الغش التجاري و التقليد و التي تتعدى الخسارة المادية المذكورة إلى المخاطرة بالأرواح و الصحة العامة للمواطن علاوة على ما سيخسره المجتمع نتيجة فقدان أو تعطيل أفراده عن ممارسة حياته اليومية، فكم من حادث مروري وقع نتيجة قطع غيار مقلدة أو مغشوشة وأدى إلى خسائر في الأرواح و كم من مستحضر أو دواء طبي لم يؤدي نتائجه المرجوة فأدى إلى إنتكاس حالة المريض أو وفاته ، فإذا كانت الخسائر المادية تقاس بالملاين أو المليارات فبكم تقدر قيمة حياة الأبرياء.

اليوم وفي ظل التغيير الذي يجتاح العالم من تقدم سبل الإتصال والنقل و التقنية أصبح من السهل على ممارسي الغش التجاري و التقليد التحرك بسرعة العصر للقيام بعمليات التهريب و إغراق الأسواق بالمنتجات المقلدة و المغشوشة لاسيما و أن الجهات المناط بها أمر السيطرة على هذه الممارسات لازالت تعاني من مشكلة مواكبة أساليب الممارسين للغش التجاري ولهذا أصبحت الفرصة سانحة للعصابات و المارقين أن يحققوا مكاسب هائلة من هذه الممارسات الغير مشروعة لتحقيق إيراد مضاعف لإيراداتهم المالية و تسخير هذا النوع من الممارسات التجارية لغرض غسيل الأموال و تزويدهم بالتمويل المالي لإستخدامه في عمليات أشد بشاعة من مجرد الغش و التقليد .

عليه فإن موضوع هذه الورقة سوف ينصب علي ثلاثة نقاط رئيسية وهي:

أولاً: إعادة النظر في العقوبات المفروضة على ممارسي الغش التجاري و التقليد.

ثانياً: عمل الدراسات ووضع الآليات المساعدة لضبط و كشف أعمال الغش التجاري و التقليد.

ثالثاً: دور المجتمع و الدولة في مكافحة الظاهرة وتتبع أثرها وملاحقة فاعليها إلى أبعد الحدود.

أولاً: إعادة النظر في العقوبات المفروضة على ممارسي الغش التجاري و التقليد.

إن العقوبة الحالية في عموم دول المجلس تتكون من شقين أولهما الغرامة وثانيهما الحبس وتكون بالأولى أو الثانية أو كلاهما معا ونجد أن هذه العقوبة تندرج تحت إما قانون العلامات التجارية أو قانون مختص بحماية المستهلك من الغش التجاري.

وعند إستقراء أنظمة دول المجلس نجد أن أقصى عقوبة للسجن لاتتعدى في أقصى الحالات الثلاث سنوات وأقصى غرامة مالية توجد في المملكة العربية السعودية ولكنها لاتتعدى المائة ألف ريال مع وجود دراسة لرفعها إلى خمسمائة ألف ريال.

 ولأن طبيعة و آلية إصدار الأحكام عادة لا تقضي بالسجن في معظم الحالات وإنما يحكم بالسجن على التاجر الممارس للغش التجاري و التقليد في الحلات القصوى التي ينتج عنها خسائر في الأرواح أو حدوث إصابات بالغة أو أضرار عظيمة تمس الأمن العام، ولكن في معظم الحالات تكتفي المحاكم بإنزال الغرامة المادية عل التاجر المخالف وذلك لعدة أسباب أهمها صعوبة إثبات العلاقة السببية بين الخطأ و الضرر أو بسبب عدم وجود آلية إدانة محكمة ولكن المشكلة أن العقوبة المادية أيضاً تكون مقيدة بالحد الأعلى المنصوص عليه في القانون و التي برهنت على أنها ليست رادعا كافيا لهذه الممارسات حتى في حالات العود التي أكتفى المشرع بمضاعفة العقوبة فيها.

ولأن عقوبة الغش التجاري و التقليد هي من العقوبات التعزيرية التي يجوز لولي الأمر تحديدها حسب حاجة المجتمع وبما يراه كافيا لوضع الحد للجرم الواقع ومعاقبة الفاعل على قدر نيته ، عليه ولأهمية وكبر الجرم الناتج عن الغش التجاري و التقليد فإنه يجب إعادة النظر في العقوبات المفروضة وإعادة صياغة موادها للتفق مع حجم الجريمة وذلك عن طريق اللآتي:

1) رفع العقوبة عن أعمال الغش التجاري و التقليد إلى الحد الذي يتناسب مع الضرر الواقع لكل حالة على حده فتحدد عقوبة مكونة من الغرامة والسجن على أن تكون هذه العقوبة كبيرة بمايكفي للحد من الظاهرة  ، مع تغريم التاجر الثابت بحقه الجريمة قيمة المواد المغشوشة بسعر البيع وتحميله تكاليف النقل و التخزين والإتلاف لكل ما تم ضبطه من مواد وبضائع وإذا ما كانت المواد محل الجريمة مواد مقلدة فإنه يضاف على الغرامة قيمة المواد الأصلية من مثيلات المواد المقلدة بسعر البيع مع تحميل التاجر الممارس للتقليد قيمة تخزين ونقل وإتلاف هذه المواد. (( بالإمكان الإستعانة بأنظمة التهريب الجمركي)).

2) إن عقوبة السجن في الأنظمة المعمول بها حاليا إنما هي عقوبة إختيارية للقاضي ناظر القضية إذ أن الأنظمة في دول المجلس أجتمعت على أن العقوبة تكون إما بالغرامة أو بالسجن أو كلاهما معا ، و لكي تكون المادة المجرمة لأعمال الغش التجاري و التقليد رادعة بما فيه الكفاية فإن الغرامة المادية يجب أن تقترن بالسجن مع مضاعفتها في حالات العود أو كون الأعمال قد تمت تحت مظلة الجريمة المنظمة.

3) ضرورة إعطاء القاضي السلطة التعزيرية بالإعدام في الحالات القصوى لاسيما و التي يكون فيها الغش قد نتج عنه حالات وفاة وكان متعمدا من التاجر مع علمه أن ما قام به من عمل يكون نتيجته فقدان حياة الأبرياء كالغش في الدواء أو الطعام أو حليب الأطفال.

ولعل أقرب مثال لهذا التوجه في التشريع الجنائي لأعمال الغش التجاري و التقليد نراه واضحا في دول الإتحاد الأوروبي حيث قامت فرنسا مؤخرا بإعادة النظر في العقوبات المفروضة على الغش التجاري و التقليد لاسيما بعد ورود عدد من التقارير الدولية التي تربط أعمال الغش التجاري و التقليد بالجريمة المنظمة و تجارة المخدرات وإحتمال إرتباطها بالإرهاب العالمي ، ففي معظم حالات الضبط التي تمت لأوكار العصابات التي تتجر في المخدرات و غيرها من الممنوعات و المحرمات الدولية وجدت كميات كبيرة جدا من البضائع المقلدة و المغشوشة كالساعات و الأقلام و الملابس .

وكان نتيجة ذلك توجه القانونيين الفرنسسين إلى رفع العقوبة لثلاث سنوات سجن مع غرامة قدرها ثلاثمائة ألف يورووترفع العقوبة إلي خمسمائة ألف يورو غرامة مع السجن خمس سنوات إذا وقع التقليد من عصابة منظمة .

 
ثانياً: عمل الدراسات ووضع الآليات المساعدة لضبط و كشف أعمال الغش التجاري و التقليد.

 إن إقتراح رفع العقوبة وتطوير آليتها بما يتماشى مع إحتياجات العصر وفي ظل تفشي ظاهرة الغش التجاري و التقليد لاتكفي وحدها ، فإذا كان لدينا من العقوبة مايكفي للردع و الزجر فإنه بضرورة الحال يجب أن يكون لدينا آلية لضبط ممارسي الغش التجاري لتقديمهم إلى العدالة لإنزال تلك العقوبات بهم وعلاوة على ذلك فإن التوجه لعمل الدراسات التي تدرس سلوك المستهلك و التاجر إنما هي الأخرى تسهم إسهاما كبيرا في تعقب الظاهرة و القضاء عليها.

أ) وضع آليات الضبط :

إن من الصعوبات التي تواجهها الجهات المناط بها أمر تعقب و ضبط ممارسي الغش التجاري و التقليد هو نقص الموارد البشرية اللازمة لتعقب وكشف المخالفين لاسيما في ظل نمو النشاط التجاري و توافر السبل التقنية الحديثة ، و أن اي جهة رسمية مهما توافرت لها الموارد النقدية فإن لها من الإلتزامات الأخرى المناطة بها و التي قد تنمعها من الإلتفات للظاهرة بمفهوم كامل وبإنتاجية المائة و العشرة بالمائة لغرض القضاء على ظاهرة الغش التجاري و التقليد.

إن الحل لمثل هذه المشكلة ولإمكانية إيجاد سبيل يقضي على الظاهرة من جذورها هو أشبه بآلية الخصخصة المتبعة في القطاعات الحكومية في كثير من الدول اليوم ، بمعنى أننا إذا نجحنا في إستحداث آلية توكل إلي القطاع الخاص أمر مراقبة نفسه ذاتيا فيما يخص الغش التجاري و التقليد وذلك عن طريق الترخيص لجهات خاصة هادفة للربح بالقيام على عملية المراقبة والإثبات و الضبط فيما يخص ممارسات الغش التجاري و التقليد مقابل عائد مادي مقطوع مضاف إليه نسبة من الغرامات المفروضة على من يثبت بحقهم قضاءاً ممارستهم لأعمال الغش التجاري و التقليد فإننا بالتالي سننجح في قطع الطريق على ممارسي الغش التجاري و التقليد بواسطة أعضاء من نفس القطاع الخاص والذي يمتاز بفهمه لطريقة تفكير وكيفية عمل التاجرالممارس للغش التجاري و التقليد لاسيما وأن ممارسي الغش التجاري و التقليد هم بطبيعتهم تجار يمارسون التجارة كغيرهم من التجار ولكنهم يتجرون في المقلد والمغشوش.

وقد يناقش البعض إمكانية إفتراء أو ضلال هذه القطاعات الموكل لها أمر ضبط عمليات الغش التجار و التقليد ، ولإمكانية حدوث ذلك فإن آلية إستحداث هذه الجهات يجب أن تتضمن تعيين تلك الجهات لفترات زمنية محددة قابلة للتجديد من عدمه بحسب رغبة القطاع الحكومي المانح للرخصة مع إضفاء صفة الموظف العام على جميع منسوبي هذه القطاعات بالإضافة إلى إمكانية مقاضاتها عن التقصير و الخطأ ، إضافة إلى ضرورة ملاحظة وجوب تعدد تلك الجهات المستحدثة كنوع من فرض التنافس فيما بينها لرفع مستوى الأداء عند مكافحة الظاهرة و لإيجاد الشعور بالرقابة الجماعية فيما بين هذه الجهات المستحدثة. “مقارنة بالأمن الخاص للبنوك و الشركات” فهم يؤدون مهمة رجال الشرطة في نطاق محدود.

ب) التوجه لعمل الدراسات التي تدرس سلوك المستهلك و التاجر:

إن دراسة سلوك المستهلك و التاجر تساعد بشكل كبير في فهم توجه الأول لشراء السلعة المقلدة أو المغشوشة وهل كان ذلك لمجرد أنها تباع بسعر أقل أو محاولة للتماشي مع صرعة الشراء أم لأن المصنعين للمنتج الأصلي لم يقوموا بتوعية المستهلك وإرشاده إلى أنه هناك سلع مقلدة وأنه يمكن التمييز بينها و بين السلع الأصلية بوجود علامات فارقة أو خلافه ،  كما تساعد هذه الدراسات على فهم توجه التاجر عند إقدامه على تقليد سلعة ما ومالذي دفعه إلى التقليد ولماذا لم يقوم بإستحداث نوع جديد من المنتج أو لماذا لم يقوم بتحويل وجهة المبالغ المستثمرة إلي قطاع آخر غير الغش التجاري أو التقليد.

ونجد التوجه لعمل هذا النوع من الدراسات بدأ العمل به داخل دول المجلس وخارجها إذ تم في مملكة البحرين التوقيع في العاصمة المنامة على إتفاقية بين وزارة التجارة البحرينية ومركز البحرين للدراسات و البحوث تختص بدراسة إتجاهات وسلوكيات المستهلك في مملكة البحرين وذلك لحماية المستهلك من الغش التجاري ومنع التجاوزات التي تستهدف المستهلك عن طريق حصر المخالفات والممارسات الممنوعة وكذلك قياس مدى وعي المستهلك وزيادة وعيه بالإضافة إلى تشجيع الإبتكار و الإستحداث في القطاع التجاري . ومن أمثلة ذلك أيضا ما صوت عليه البرلمان الأوروبي من دراسة تناولت الوضع الراهن فيما يخص الغش التجاري و التقليد وضرورة مكافحة الظاهرة وتناول الممارسات والقضاء عليها عن طريق وضع آليات التوافق بين الجهات المختصة لغرض حماية الأعمال التجارية و المستهلك على حد سواء من ممارسات الغش التجاري والتقليد .

ثالثاً: دور المجتمع و الدولة في مكافحة الظاهرة وتتبع أثرها وملاحقة فاعليها إلى أبعد الحدود.

أولاً: مسؤولية المجتمع:

إن مسؤلية المجتمع مرتبط إرتباط مباشر بمكافحة الظاهرة و إمكانية القضاء عليها فهناك على سبيل االمثال لا الحصر:

 مسؤولية التاجر الذي بدوره يجب أن يقوم بتوعية المستهلك و يلتزم بضرورة تمييز منتجاته عن غيرها من المقلدة و ضرورة إلتزام المستهلك بالسؤال و التقصي قبل الشراء وليعلم أن ليس كل ما يحمل علامة تجارية موثوقة هي سلعلة أصلية.

مسؤلية التاجر والمواطن سواء في التبليغ عن السلع المقلدة و المغشوشة وملاحقة الفاعلين قضائيا لتعويض و جبر الضرر الواقع سواءا على المستهلك أو التاجر بدعاوى التعويض المدنية مهما كان الضرر ضئيلا لاسيما وأن المحاكم لم تضع حد أدنى لقبول طلبات التعويض وذلك لما فيه من إرباك للتاجر الغاش و المخادع و تعطيل لمصالحه الجشعة.

ثانياً: مسؤولية الدولة:

الدولة بلا شك مسؤولة و لاشك أن لها ممارسات تساعد في الحد من الممارسات الخاطئة المتعلقة بالغش التجاري و التقليد و لكن التطويرالمستمر لآليات تتبع الممارسين لأعمال الغش و التجاري و التقليد وتشجيع القطاع الخاص من التجار علي إستخدام التقنية الحديثة  وتسهيل توفيرها للتجار لتوعية المستهلك وإرشاده إلى السلع الأصلية له دور كبير في القضاء على الظاهرة والحد من إنتشارها.

وتستطيع الدولة أن تفعل دورها كذلك عن طريق تشجيع المستهلك وحثه على ملاحقة التجار المخادعين عن طريق تسهيل إجراءات التبليغ و التقاضي و المطالبة بالتعويض ، و علاوة على ذلك يأتي دور المدعي العام متمثلا في تحريك الدعاوى ضد ممارسي الغش التجاري والتقليد من تجار و موردين ليس فقط أمام الجهات القضائية المحلية وإنما عن طريق إقامة قضايا مشتركة مع القطاع الخاص أمام الجهات القضائية الدولية و المحاكم ذات الإختصاص المحلي في الدولة التي تم فيها تصنيع المواد المقلدة أو المغشوشة أوأمام المحاكم المختصة ذات الصلة في الدول التي تمت فيها إتفاقيات توريد أو تصدير السلع إلى بلدان المجلس المتضررة. مع إعطاء محاكمنا التجارية الحق في الحكم الصارم على المصنعين للمواد المغشوشة خارج النطاق الإقليمي للدولة ويمكن تنفيذ ذلك بالحجز على ممتلكاتهم في البلاد إن وجدت أو جعل الحكم سوطاً يوقع على ظهرالشركة المصنعة للغش التجاري في حال تواجدهم مستقبلاً في الدولة الضحية للغش.

الخاتمة:

ما نخلص إليه من هذه الورقة هو ضرورة إعادة النظر في آلية العقوبة المفروضة على أعمال الغش التجاري و التقليد ورفع الغرامة المفروضة إلى الحد الذي يتناسب فعلاً مع الضرر الواقع مع إقرانه بعقوبة السجن و عدم قصر عقوبة السجن على أنها عقوبة يمكن ان تضاف أو لا تضاف للغرامة المالية ، كما ان أسنادأمر دراسة الظاهرة وتعقبها إلى جهات متعددة في القطاع الخاص كنوع من الرقابة الذاتية على القطاع التجاري ضمن آلية محكمة سوف يوفر الكثير من الجهد و الوقت والمال ويعجل من هدف القضاء على ظاهرة الغش التجاري و التقليد هدفا يسيراً لاسيما عند إقرانه بتوعية وتشجييع المتضررين من القطاع الخاص و العام لضرورة ملاحقة الممارسين لأعمال الغش التجاري و التقليد ليس فقط محلياً ولكن لاقصى الحدود التي يسمح بها القانون الدولي.

وفي إنفاذ هذه الآليات خطوة نحو معالجة المشاكل المحيطة بحقوق الملكية الفكرية ضمن إطار (إتفاقية التربس) وهي الإتفاقية الدولية حول الجوانب المتصلة بالتجارة في حقوق الملكية الفكرية إذ أن الحماية الموضوعية لحقوق الملكية الفكرية ، و التي يعتبر التقليد التجاري و الغش من أهم ما ينتهك تلك الحقوق ، لا يكون ممكناً من الناحية العملية إلا بقدر ما يوجد في التشريعات الوطنية من آليات قانونية لوضع النصوص محل التنفيذ ، وبحسب رأي المفاوضات فإن التشريعات المحلية تعاني من ضعف في قواعد الإنفاذ في خمس مجالات و هي :
– عدم كفاية التدابير الحدودية بغرض التحفظ على البضائع المزيفة على الحدود الجمركية ،
– وجود عوائق تحول دون اللجوء إلى القضاء أو السلطة المختصة ،
– قواعد الإثبات صارمة،
– عدم توفير الحماية الوقتية أو التحفظية،
– عدم توفير حماية جنائية غير رادعة.

ومما لاشك فيه أن دول المجلس قد نجحت في تغطية معظم جوانب النقص هذه و لازالت بعض الجوانب الأخرى حرية بالإهتمام ولكن على وجه العموم فإن مراجعة وتطوير آلية مكافحة الغش التجاري هي عملية مستمرة و لا يجب الإلتفات عنها بل يجب متابعتها وفقا لتطور الأمور وإزدياد النشاط التجاري تعقيدا و تطورا للتمكن من الحد من الظاهرة والقضاء عليها.

شارك التدوينة !

عن admin

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

© جميع الحقوق محفوظة 2016
%d مدونون معجبون بهذه: