23أبريل

بيننا وبينهم الثلث الأخير من الليل

أكثر ما يسعدني في هذه الدنيا أننا نحكم الإسلام في كل أمورنا ونتمسك بأهداب الشريعة. لكن التمسك بأهداب الشريعه يستلزم الرجوع لها في كل أمر هي لها حكم فيه، وأيضا أن يكون ذلك في كل أمر في كل وقت، فلا تستطيع أن تتمسك بها نهارا وتتجنبها ليلا ولا تتمسك بها إن أردت وتميل عنها إن رغبت، فالشريعة كل في كل وكل لكل كل.

يدعوني لقولي هذا صدمتي فيما أعلن أخيراً عن صرف النظر عن أخذ رسوم على الأراضي الشاسعة التي ليست مخصصة للسكن بحجة أن الشريعة لا تجيز ذلك لأن الأصل حرمة أموال المسلم فأقول إنما الحرمة لأموال المسلم وكذلك لأموال كل المسلمين كجماعة، فتحرم أموال المسلم الفرد وتحرم بدرجة أشد الأموال العامة للمسلمين، فالغلول أشد عقوبة من أكل مال مسلم بالباطل.

ثم استشهدوا في تعليلهم لعدم جواز أخذ الرسوم بحديث «لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه» وأقول نعم إنه حكم صحيح لكن لولي الأمر أن يفرض علينا ما يشاء لرعاية المصالح الكلية للأمة وعلينا وجوباً السمع والطاعة بل والدعاء له.

كنت أتمنى أن تكون حجتنا أي شيء إلا مقاصد الإسلام. ليتها كانت حجة اقتصادية أو اجتماعية أو تجارية أو مالية أو أي حجة أخرى ولا أن ننسبها للشريعة. فهل أخذ رسوم على الإقطاعات الشاسعة محرم ولكن أخذ الإقطاعات الشاسعة نفسه هو أمر حلال زلال؟

الآن؟ الآن وفي هذه فقط ظهرت علينا ملامح التقوى وشعشع نور الإيمان؟ ألا تعلم أنك حين تشتري سيارتك تكون دفعت فيها 5% من قيمتها كرسوم جمركية؟ هل هذه الرسوم تبرعات تمت بطيب نفس المستورد، أم هي رسوم مفروضة فرضا لمصلحة الأمة؟ إن اشترى أحدكم (شنطة) المدرسة لابنه فإن نصف العشر من ثمنها هو رسوم جمركية، أما إن شرب (براد شاهي) فقد شاركته وزارة المالية في تحصيل نصف العشر من قيمة (الشاهي)، أما إن حلاه بالسكرفـ 20% من قيمة السكر يكون قد دفعها رسوما جمركية. فلم لم تشعشع علينا طراوة الإيمان هنا؟ إن ذهبت تستقدم خادمة تساعد أم العيال على همك وغلاستك فلن يلتفت إليك أحد إلاّ بعد أن تدفع جعلا قدره ألفا ريال، فهل دفعها هو من قمة طيب نفسك لأن منتهى سعادتك هو بعثرة الآلاف داخل ماكينة الصراف؟ وإن تأخرت يوما واحدا في تجديد إقامتها فيدك (تهرشها) بألف مما تعدون، أَ كلُّ هذه حلال ورسوم الأراضي يجب ألا تؤخذ إلاّ بطيب أنفسهم؟ ماذا لو لم تطب أنفسهم إلاّ عن احتكارها ثم توريثها إن حضر الأجل ولف الكفن؟

أَأخذُ رسوم الأراضي حرام وأخذ وادٍ بما فيه أو سهل بما يحتويه أو جبل بالذي فيه هو أمر مستحب ومن السنن المنسية؟ فإن كان مسنونا فلماذا هو سنة لي ومحرم عليك؟ جبال مكة، جبال مكة لم تتغير منذ خلق الله السموات والأرض فكيف لم تتملك إلا في العقدين الأخيرين؟ من قال إن أخذ الرسوم حرام؟

ألم يفكر لم أخذ هذه الجبال فلان وحرم منها علان؟ أكانت حلالاً لفلان وحراماً على علان؟

ألم يسأل أصلا عن هذه الإقطاعات الشاسعة كيف حصل على معظمها معظمهم؟ إن أحياها وأنشأ عليها مدرسة أو مستوصفا أو سكناً له ولأولاده أو حتى مصنعا فنعم العمل عمله، وهذا ما قاله سيدي رسول الله (من أحيا أرضا فهي له).

أما إن سوّرها لأنها (احلوّت) في نظره أو (حوطها) لأن إبل جده رعت يوما في نجيلها وأحاطها لأنه حلم ليلا أنها تجري (مزفوفة) إليه، أو مدد أسواره لأن ابنه تدلل عليه بأنه يريدها لإصلاح أوضاعه بأن يبيعها لإخوانه المواطنين من باب التلاحم، فأين كل ذلك من الشريعة؟ لماذا لم ننفعل في كل هذه الأمثله لنتمسك بأهداب الشريعة؟ أَ أهداب طويلة لها وأهداب أخرى للغلابة؟ حرام أن تؤخذ الرسوم عليها وحلال أن تؤخذ هي بما عليها؟

تعرف والله أحسن أنهم ألغوا أخذ الرسوم على الأراضي الشاسعة غير المعدة للسكن وليست محياة إحياء شرعيا.

فوالله ليس من العدل أخذ الرسوم على هذه الأراضي بل العدل أن تنزع هذه الأراضي نفسها عنهم انتزاعا، فالقاعدة العامة أن ما بني على باطل فهو باطل.

إن كانت الحجة أن أخذ الرسوم يتعارض مع مقتضيات الشريعة، فدعني أسالك وكن صادقا مع نفسك، إن علمت أن 65% من شعبنا دون العشرين فبالله عليك هل لأي منهم أي أمل أن يدخر من مرتبه أو من إعانة حافز ليشتري أرضا يسكن فيها إن تزوج؟ أم عليه أن يزاحم غرفة أبيه في بيته الشعبي في العشوائيات؟ فإن فعل فكيف يأتي للدنيا أخوه؟ ثم هو بعد ذلك يجد أن أحداً ملك مليون متر هنا ومليوناً هناك ومليونا بين ذلك وذاك.

أكل هذا يتماشى مع مقاصد الشريعة بينما أخذ رسوم الأراضي يعارضها؟ أَ فقدان أمل جيل المستقبل في أي حلم في أي أرض في بلاده إلا مترين مربعين لمقبرته، وضياع أملهم هو ما يقيم عماد الشريعة؟

عموما أقول صادقا حيث إني لا أعرف من الشريعة إلاّ ما حفظته (صم) في مقرر الفقه في المدرسة وبالتالي لا أعلم هل فرض الرسوم على الأراضي الشاسعة غير المعدة للاستخدام هو أمر جائز أم لا، لذا أعتذر وأستغفر عن كل ما قلته في أول المقال وسأقترح اقتراحا لإحقاق الحق لا يختلف عليه اثنان ولن يغضب أحداً، وهو لن يضر من كان على الحق وسينفع من لم يكن على الحق، وهو اللجوء للدعاء ليكون الحكم بيننا.

فسيد المرسلين قال الدعاء مخ العبادة وفي رواية أخرى الدعاء هو العبادة.

فأطلب من كل من ملك مليون متر أو أكثر أن يرفع يديه في الثلث الأول من هذه الليلة ويدعو صادقاً ويقول اللهم إن كنت تعلم أن الأراضي التي أملكها أني قد أخذتها بحقها وأخذي لها يتناسب مع أهداب الشريعة فاللهم بارك لي فيها ومددها واحمها واحفظها وارفع سعرها وأعطني ضعفها في الجنة وأهلك كاتب هذا المقال، وإن كنت تعلم أن الأمر غير ذلك فاهدني لإرجاعها حتى لا أطوق من سبع أرضين يوم القيامة بكل شبر فيها كما قال رسول الله، ثم ثبت قلبي على فراقها وعوضني عنها بمناقصة تفرح القلب و(برضه) أهلك كاتب هذا المقال!

ليس هذا فقط بل أدعو كل شاب متيقن يقينا أنه لن يملك أي أمل في الحصول على قطعة أرض مهما عمل واجتهد أن يدعو في الثلث الأخير من هذه الليلة ويقول اللهم إنك تعلم أن لا أمل لي في أرض لأن الأراضي قد اختفت فاللهم إن كنت تعلم أن من كان يدعوك في الثلث الأول وقد أخذ الإقطاعات الشاسعة إن كان أخذها متمسكا بأهداب الشريعة ولا يجوز أخذ الرسوم عليها فاللهم بارك له فيها وأعطه أضعافها في الجنة وأهلك كاتب هذا المقال، وإن كنت تعلم أنه أخذها بغير حقها وأن أخذه لها مخالف لشريعتك، وأن أخذه لها حرمني من أي أمل في الحصول على أي أرض فيارب اغفر له وواره من أرض الجنة ما حرمني من أرض الدنيا.

أعتقد أن هذا الأمر ليس فيه أي شيء يغضب أي أحد، ففيه مضاعفة في الجنة لمن ملك بحقها وفيه هداية وعودة للحق لمن كان غير ذلك و(برضه) له دعاء بالجنة.

كما أنه حل عادل فهو دعاء بدعاء وكل طرف له وعليه، احتمال باحتمال.

وفوق كل ذلك فيه احتمال بهلاك كاتب هذا المقال. وليس لهلاكه احتمال واحد بل احتمال فوقه احتمال فوقه احتمال.

(أنا شخصياً من هذا الدعاء مش خايف، أنتم خايفين ليه؟).

جميل محمد فارسي

شارك التدوينة !

عن admin

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

© جميع الحقوق محفوظة 2016
%d مدونون معجبون بهذه: