23أبريل

القروض البنكية….. ظاهرها فيه الرحمة

لم تكن الأرقام التي أعلنتها مؤسسة النقد العربي السعودي عن حجم المبالغ التي اقترضها المواطنون من البنوك حتى نهاية الربع الأول من هذا العام 2012 تحت بند القروض الشخصية التي بلغت 277.5 مليار ريال مفاجئة للمهتمين بالشأن الاقتصادي في المملكة.

فإذا أضفنا قروض الشركات الفردية المباشرة والتعاملات الجانبية، فإن رقم القروض سوف يصل إلى أكثر من 400 مليار ريال، وهذا الرقم يبدو مفزعاً إلى حد كبير في دولة مثل المملكة لا يتجاوز سكانها 17 مليون مواطن.. ومتوسط دخل أفرادها لا يتجاوز 4000 ريال شهرياً «حسب التقديرات الحكومية التي يعتقد كثيرون أنها لا تعكس واقع الحال».

وأمام المغريات الكبيرة التي تطرحها البنوك التي في ظاهرها رحمة وباطنها… أمور لا تحمد عقباها، إضافة إلى ذلك أن التنافس المحموم بين أكبر البنوك العاملة في المملكة، المحلية منها والعالمية، على تشجيع عملائها من الأفراد على الاقتراض، عن طريق تقديم عديد من العروض الجذابة والحلول التمويلية المصممة خصيصاً لتمويل الأفراد وتسهيل إجراءات الحصول على هذه القروض، في وقت بدأ فيه عديد من المواطنين يشعرون بشكل متزايد بالأعباء المادية الكبيرة التي تتطلبها أنماط الحياة العصرية، نتيجة ارتفاع تكاليف المعيشة وارتفاع أسعار السلع والخدمات، خاصة في مجالات الإسكان والصحة والتعليم.. إضافة إلى المتغيرات الحضارية والاقتصادية والاجتماعية التي تشهدها المملكة، وتحول بعض السلع والخدمات في نظر البعض من خانة الكماليات إلى خانة الضروريات.

كل ذلك أدى إلى زيادة الطلب على هذا النوع من القروض «الشخصية» ودفع الكثيرين من أفراد الطبقة الوسطى إلى الاقتراض بهدف تلبية احتياجات معيشية، تكون في معظمها ذات طابع استهلاكي، كشراء سيارة أو تجديد أثاث المنزل أو إقامة حفل زواج بأكثر مما تسمح به الإمكانيات، غير آبهين بالتحذيرات المتكررة التي يطلقها المختصون في المجالات الاقتصادية عن الآثار السلبية والانعكاسات الخطيرة التي تولد من رحم هذه القروض على حياة الفرد والمجتمع.. وهي انعكاسات لا تنحصر آثارها فيما تسببه من مشكلات مادية للفرد، نتيجة حرمانه ولفترات زمنية طويلة من جزء لا يستهان به من دخله «المحدود أصلاً» لسداد أقساط الدين، بل إن هذه الانعكاسات تمتد لتشمل جوانب أخرى تمس صميم تركيبة المجتمع وتؤثر على سلامة نسيجه..

فعلى المستوى الاجتماعي تؤدي هذه القروض إلى زيادة التفاوت الطبقي وخلخلة الاستقرار الأسري، نتيجة فشل أعداد متزايدة من الزيجات التي كان الاقتراض هو الأساس المادي الذي بنيت عليه.. فأصبح سداد الدين هو معول الهدم الذي انهارت على يديه..

وعلى المستوى الصحي نجد أن الضغوط النفسية الكبيرة التي يتعرض لها عدد كبير من المقترضين نتيجة عجزهم عن سداد ديونهم بعد عجزهم عن توفير احتياجاتهم، تؤدي إلى تولد شعور لديهم بالسخط على أنفسهم وعلى المجتمع الذي يعيشون فيه، وقد تنتهي بهم هذه الحال إلى المصحات النفسية مما يفقد المجتمع جزءاً من طاقته العاملة.

وعلى المستوى الأمني نجد أن هذه الضغوط النفسية قد تدفع بعض هؤلاء المقترضين العاجزين عن السداد إلى اللجوء إلى وسائل غير مشروعة كالتزوير والرشوة والاختلاس، وحتى إلى ارتكاب جرائم كالسرقة والقتل للحصول على المال اللازم لسداد ديونهم، مما يخلق أوضاعاً أمنية غير محمودة.

وإذا علمنا أن البنوك السعودية تحصل على فوائد تراكمية جراء هذه القروض، أي أن الفوائد تؤخذ على كامل القرض دون اعتبار لما تم سداده من أقساط! وأن نسبة الإقراض عن طريق هذه البنوك قد ارتفع بنسبة تزيد عن 470% خلال العشر سنوات الأخيرة، فإننا لن ندهش عند سماع ما حققته هذه البنوك من أرباح بلغت في النصف الأول من عام 2012 أكثر من 18 مليار ريال، تحقق جانب لا يستهان به منها من خلال تحصيل الديون المستحقة مع فوائدها، وهي الديون التي كانت في معظمها عبئاً ثقيلاً على المقترضين الذين شاركوا عن غير رغبة أو قصد في تمكين هذه البنوك من تحقيق أرباح تصل إلى حد التخمة.

إن هذه الآثار السلبية والانعكاسات الخطيرة للقروض البنكية الاستهلاكية، تجعل من الضروري العمل على الحد من هذه القروض، وذلك بتوعية المواطنين وتشجيع ثقافة الادخار والاستثمار وترشيد الاقتراض، وحث البنوك على التوقف عن الترويج للقروض الاستهلاكية ومراجعة وتفعيل أنظمة الرقابة المالية.

إنها دعوة لولاة الأمر لتخصيص جزء من فائض ميزانية الدولة لصالح قروض المواطنين، بدلاً من استثماره في الخارج بفوائد زهيدة جداً، لتوفير احتياجاتهم والحد من الاستغلال الفادح للبنوك والشركات العاملة في هذا المجال. والله من وراء القصد.

أحمد عبدالله عاشور

المصدر

شارك التدوينة !

عن admin

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

© جميع الحقوق محفوظة 2016
%d مدونون معجبون بهذه: