يعاني التجار في كل مكان وزمان من تهمة تلاحقهم بغض النظر عن نوع التجارة التي يمارسونها! البعض يرى أن التاجر «غشاش» إلى أن يثبت العكس، وقد أصبحت صفة «التجاري» مرادفة لكلمة «الغش»، فما أن ينطق المتحدث بكلمة «الغش» حتى يُضاف إليها «التجاري». فهل أن الناس «يَتَبَلَّوْن» على التجار عندما يُكْثِرون من الحديث عن «الغش التجاري»؟
آخر قصص التجار مع الغش التجاري «فضيحة لحوم الخيول» التي عصفت بالقارة الأوروبية وأصبحت حديث الناس هناك هذه الأيام، خاصة في البلدان المتضررة وأهمها: فرنسا وبريطانيا والنمسا وهولندا والدنمارك وألمانيا وسويسرا والسويد والنرويج.
في تلك البلدان، وفي بلدان أخرى غيرها، تم تسويق منتجات غذائية تحتوي على لحوم الخيل على أنها لحوم بقرية! وقد تم خلط لحوم البقر مع لحوم الخيل بشكل متعمد بهدف تحقيق أرباح، فكان المستهلك هو الضحية كما هي العادة!
أعتقد أن الأوروبيين محظوظون رغم السخط الذي أبدوه لأن المستهلكين في الدول المتخلفة يتم غشهم بشكل أفدح، ففي أكثر من بلد عربي تم تسويق لحوم كلاب ولحوم حمير على أنها لحوم ضأن! بعض حالات الغش تم اكتشافها بالصدفة واحتلت أخبارها عناوين عريضة في الصحف العربية ولكن من المؤكد أن البعض الآخر لم يُكْتشف!
ولأن الناس في كل مكان يسيئون الظن بالتجار ولا يثقون بإمكانات الأجهزة الرسمية المسئولة عن تنظيم الشؤون التجارية مثل وزارات التجارة ووزارات البلديات لكي تحميهم من الغش التجاري فإنهم يعمدون إلى إنشاء هيئات وجمعيات أهلية لمكافحة الغش التجاري وحماية المستهلكين.
عندنا، في المملكة، مازالت جمعية حماية المستهلك مشغولة بنفسها حيث تدور معارك «أهلية» طاحنة لانتزاع كرسي الرئاسة وذلك من شدة الحماس بين الفرقاء المتعاركة لحماية مصالح المستهلكين وعدم تركهم لقمة سائغة للتجار الذين لا يمكن الوثوق بهم! وإلى أن تنتهي الحرب الأهلية المستعرة داخل الجمعية فإن المستهلكين يظلون في العراء بلا حماية من أحد؛ لذلك فإن الله وحده هو الذي يعلم أي نوع من اللحم نأكل!
لا أريد أن يزعل مني أصدقائي التجار، ولذلك أعلن هنا أنني لا أعتقد أن التجار غشاشون بطبعهم. الغش صفة تتسلل إلى الحياة الاقتصادية عندما يكون النظام في حالة استرخاء، فكيف عندما يكون في سبات عميق؟!
قبل أن نغضب من التجار يجب أن نغضب من غفلة النظام. ولسوء حظنا فإننا في اللحظة التي تنبهنا فيها إلى أهمية وجود جمعية أهلية لحماية المستهلك وأنشأنا هذه الجمعية فإن المشروع الأول للجمعية كان حرباً أهلية ضروساً بين رؤساء الجمعية.
يبدو أن التجار أرحم من جمعية حماية المستهلك!
د. عبدالواحد الحميد