عبدالعزيز الخضيري
إن ما آلت إليه الأمور المؤسفة داخل أروقة جمعية حماية المستهلك الوليدة أخيرا، والأحداث التي تابعها الجميع من حرب تصريحات وتصرفات لا ترقى إلى مستوى المسؤولية ولا إلى طموح المستهلكين كافة، ما هي إلا إفرازات طبيعية لتنظيم الجمعية الضعيف الذي قال عنه من اطلع عليه إنه ملئ بالثغرات التي تعطي رئيس الجمعية صلاحيات وتفردا بالقرارات لم تعط لمثيله في مؤسسات مجتمع مدني أخرى، لكونها جمعية أهلية مستقلة، إضافة إلى عدم وضوح وجود مرجعية لهذه الجمعية من عدمه، ولذلك فمسؤولية واقع الجمعية الحالي المؤسف تقع على من سَنَّ تنظيم الجمعية في المقام الأول، الذي أغفل الكثير من ترتيب البيت الداخلي للجمعية، من ناحية أخرى لا يمكن أن نغفل بأي حال من الأحوال مسؤولية أعضاء مجلس الإدارة وصمتهم الغريب والطويل على تجاوزات رئيسها ــ كما يقول أعضاء مجلس الإدارة في بيانهم ــ طوال أكثر من سنتين، فضلا عن بعض التصرفات التي حدثت أخيرا داخل الجمعية بين الرئيس المُقال ونائبه، كل ذلك جعل الأمور تتطور من مرحلة الشكوى التي تقدم بها الأعضاء بالإجماع إلى وزير التجارة والصناعة قبل أشهر عدة حول سوء إدارة الرئيس الإدارية والمالية، وتفرده بالقرارات الإدارية وبالمخصصات المالية دون علم أعضاء مجلس الإدارة، التي مع الأسف لم يبت فيها ــ ربما لأن الوزارة ليست مرجعا للجمعية حسب تنظيم الجمعية ــ إلى مرحلة قرار المجلس بالإجماع أيضا بإسقاط عضوية الرئيس، وبالتالي زوال صفته الرسمية كرئيس للجمعيه ، بل إن ما نسمعه من أشياء مضحكة ومؤسفة في الوقت نفسه بعد قرار الإقالة كامتناع الرئيس عن الخروج من مقر الجمعية إلى اضطرار إدارة الجمعية إلى تغيير أقفال مكتبها ومرورا بإصرار الرئيس المقال على عقد الجمعية العمومية دون علم أعضاء المجلس وغير ذلك كثير يدعو إلى الحزن، ومع الأسف على حال هذه الجمعية التي انتظرناها سنوات طوال، بل إن ذلك يعزز فقدان ثقة المستهلك بجمعيته والقائمين عليها وهذه هي الطامة.
إن ما حصل من أحداث وتبادل بيانات صحفية بين الطرفين (الرئيس المقال والأعضاء) يؤكد عدم وجود أي تناغم أو تعاون بين هؤلاء الأعضاء ربما منذ نتائج انتخابات الجمعية، وهذا ما تحدثنا عنه في مقال سابق في هذه الصحيفة تحت عنوان (جمعية حماية المستهلك.. هل ولدت لتموت؟)، الذي نشر في أواخر شهر آزار (مارس) الماضي، وحذرنا من أن تصل الأمور إلى ما وصلت إليه، وحذرنا كذلك من أن هذا الوضع ينذر بفشل ذريع للجمعية قبل إتمام عامها الثاني، ما يتطلب تدخلا سريعا من الجهات المعنية.
ثغرات واضحة في التنظيم
إن من ينظر إلى بنود التنظيم الأساسي للجمعية يلاحظ أن التنظيم وضع كل القرارات المهمة والمفصلية للجمعية في يد شخص واحد، هو الرئيس، وجعله التنظيم كذلك هو رئيس الجمعية العمومية ورئيس المجلس التنفيذي ورئيس الجهاز التنفيذي في آن واحد (ثلاثة مناصب رئيسة مجتمعة في شخص واحد)، ولم يعطِ لنائبة ولبقية أعضاء مجلس الإدارة سوى القليل من الصلاحيات، إضافة إلى أن تنظيم الجمعية لم يذكر بشكل واضح وصريح إن كانت للجمعية مرجعية أم لا، سوى مصادقة وزير التجارة والصناعة على فوز الرئيس ونائبه، واكتفى التنظيم بذكر إحدى صلاحيات الجمعية العمومية التي تقول من صلاحياتها (اقتراح حل الجمعية لأي سبب من الأسباب المنصوص عليها في الفقرة (1) من المادة العشرين من هذا التنظيم، ورفعه إلى مجلس الوزراء لاعتماده)، ويبدو واضحا كما قلنا سابقا أن المستهلك غيبت مرئياته تماما في هذا التنظيم، حيث من شارك في وضع هذا التنظيم الذي أعدته هيئة الخبراء في مجلس الوزراء بمشاركة الجهات المعنية، وهم ممثلو الجهات الحكومية فقط التي وضعت أهداف واختصاصات الجمعية. ولم تتم الاستعانة أو الالتفات إلى من يمثل المستهلك من أعضاء مجلس الشورى مثلا أو أساتذة الجامعات أو ممثلي بعض الجمعيات التعاونية أو الخيرية أو حتى من المهتمين والمتخصصين بشؤون المستهلك من إعلاميين وقانونيين وغيرهم.
كما كان من أخطاء التنظيم منع الانتساب للجمعية لمن يملك سجلا تجاريا، وهذا ما ليس معمولا به في جمعيات المستهلك العربية والعالمية، الذي أفقد الجمعية انضمام عدد كبير من راغبي الانضمام.. كما أن تنظيم الجمعية منح ما نسبته 10 في المائة من رسوم التصديق على الوثائق التجارية التي تتقاضاها الغرف التجارية الصناعية في كل منطقة يتعارض كليا مع مبدأ منع مالكي السجل التجاري من الانتساب إليها. كما أن هناك تناقض مصالح، فالجمعية مهمتها حماية المستهلك من التاجر، فكيف إذا يقوم التجار بتمويلها كما أكد ذلك رئيس مجلس الغرف السعودية صالح كامل.
إحباط متزايد
مع هذه الأحداث الأخيرة للجمعية، ومع استمرار عمل الجمعية أكثر من سنتين من دون تحقيق طموح يذكر للمستهلك ينطبق على الجمعية المثل القائل (أحشفا وسوء كيلة)، حيث ليس هناك إنجاز يذكر للجمعية مع سوء عملها الإداري والتنظيمي، ما جعل شعبية الجمعية لدى عامة جمهورها من المستهلكين تنخفض أكثر بكثير عما كانت عليه في السابق، وهذا يتضح من خلال ما يطرح في وسائل الإعلام أو المنتديات الإلكترونية حتى ما يدور في المجالس، فالانطباع العام عن الجمعية لم يكن إيجابيا، وكان أقل بكثير من طموحات المستهلكين، فمنذ بداية الجمعية لأعمالها لم يجد جمهور المستهلكين في الجمعية ما يشير إلى أنها ستكون الحامي الأول لهم من استغلال بعض التجار أو من ضعف الجهات الرقابية، ومن يتابع ما يكتب في مواقع الصحف الإلكترونية من خلال الردود التفاعلية من القراء أو ما يكتب على شبكة الإنترنت، سيتأكد من أن الجمعية لم تفرض شخصيتها المستقلة، ولم تصنع لها صورة ذهنية إيجابية لدى العموم، وما زالت تسير في طريق بلا أهداف أو رؤية واضحة، فتارة تحاول الجمعية استرضاء الجهات الحكومية وعدم نقدها ومطالبتها بأداء واجباتها للمستهلك، وتارة تجدها ضعيفة في قول رأيها في القطاع الخاص، وعندما نتابع تصريحات أو بيانات الجمعية ــ على قلتها ــ تجاه المستجدات التي تطرأ على ساحة المستهلك في المملكة، سنجد اللهجة المستكينة، خاصة فيما يتعلق ببعض الجهات الحكومية التي لا تعبر عن رأي أو غضب المستهلك تجاه بعض القضايا. ولو تم إجراء مسح ميداني استبياني عن رأي المستهلك في جمعيته لربما ظهرت نتائج أسوأ مما نتوقع.
ولذلك فالجمعية في وضعها الحالي تنظيما وإدارة لن تتمكن من القيام بدورها إلا من خلال إعادة النظر في تنظيم الجمعية، بما يكفل لها العمل بشكل أكثر وضوحا، ويتم تحديد الأدوار والصلاحيات بين مسؤولي الجمعية، وكذلك منح الجمعية بعض الصلاحيات التي تستطيع بموجبها تحقيق طموحاتنا كمستهلكين في الدفاع عنا وعن قضايانا، والتعبير عن آرائنا، وأن تمثل المستهلك رسميا أمام كل شركة وكل جهة حكومية ذات علاقة بالمستهلك من قريب أو بعيد، والنظر كذلك وبجدية في موضوع الانتساب للجمعية، حيث لا يعقل في بلد تعداده (27 مليون نسمة) يكون عدد أعضاء الجمعية أقل من 130 عضوا خلال عامين ونصف. إن وضع جمعية حماية المستهلك أيها السادة التي أقرها مجلس الوزراء برقم (3) وتاريخ 12/1/1429هـ تحتضر وستموت ما لم يتم تدارك الأمر، وجعلها جمعية أهلية مستقلة قولا وفعلا.
http://www.aleqt.com/2010/10/30/article_462729.html