هل ترضى أن تشتري سلعتك قسرًا – تحت ضغط الحاجة – بالسعر الذي يرغب فيه منتج تلك السلعة، وليس السعر الذي يرضيك أنت؟
وهل ترضى أن تفقد صفة الاختيار بين أكثر من نوع لنفس السلعة؟
هل ترضى أن تفقد حريتك في اتخاذ قرار الشراء؟
هذا ما يحدث بالفعل عندما يسود الاحتكار.
ونظرًا لأن السوق هو المكان الذي تمارس فيه الأنشطة الاقتصادية من بيع وشراء وإنتاج للسلع والخدمات فإنه من خلال هذه الممارسات تنشأ العلاقات المختلفة التي تشكل هيكل السوق من الناحية العملية، ومن ثَمَّ فإن مفهوم السوق واسع ويعني أكثر من مجرد ذلك المكان الذي تذهب إليه للتبضع وشراء الحاجيات، وبالتالي فهو يمثل الشركات المتعاملة في السوق وأحجامها وأنواع ومواصفات السلع المتداولة، والأنظمة القانونية للانخراط في النشاط الاقتصادي وتصفية الأعمال وما إلى ذلك، ويمكن من الناحية العلمية تفسير الأسواق إلى أربعة أنواع وفقًا لأعداد وأحجام الشركات المتعاملة في السوق وطبيعة أو السلعة والقيود على الدخول والخروج من السوق كالآتي:
1 – سوق المنافسة التامة.
2 – سوق المنافسة الاحتكارية.
3 – سوق احتكار القلة.
4 – سوق الاحتكار.
والتي يمكن التمييز بينها على أساس أعداد وأحجام الشركات المتعاملة في السوق وطبيعة أو السلعة والقيود على الدخول والخروج من السوق وفق الجدول التالي:
عدد وحجم الشركات
طبيعة المنتج
الدخول والخروج من والى السوق
المنافسة التامة
شركات كثيرة بأحجام صغيرة
متماثلة
سهل
المنافسة الاحتكارية
شركات كثيرة بأحجام صغيرة
متباينة
سهل
احتكار القلة
عدة شركات إحداها على الأقل كبيرة
متماثلة أو متباينة
قد توجد بعض القيود
الاحتكار البحت
شركة واحدة
منتج وحيد
حماية كاملة ضد دخول المنافسين
ويمكن أيضًا تقسيم هذه الأسواق من الناحية العلمية إلى فئتين، الفئة الأولى: أسواق المنافسة التامة والاحتكار، وهي حالات بعيدة عن الواقع العملي؛ إذ إنه في سوق المنافسة التامة يصعب وجود منتجات متجانسة أو متماثلة تمامًا كما أن حرية الدخول والخروج من السوق لا يمكن أن توجد بشكل مطلق، وفي سوق الاحتكار يصعب وجود منتج وحيد لا بديل له ووجود سوق مغلق لا يمكن لمنافسين جدد الدخول إليه مطلقًا.
الفئة الثانية: أسواق المنافسة الاحتكارية واحتكار القلة تمثل العديد من الأسواق الفعلية في الواقع العملي، ومن أمثلة أسواق احتكار القلة صناعة السيارات والسجاير وشيكات البث التليفزيوني أو المرئي، أما المنافسة الاحتكارية فأبرز أمثلتها سوق الخدمات مثل: المطاعم، والصناعة، والملابس، والخدمات المصرفية، وما إلى ذلك؛ومن ثَمَّ يعرف الاحتكار على أنه: عبارة عن تركيبة أو هيكلية معينة لسوق ما، تسمح لشركة واحدة أو متعامل واحد فيه بإنتاج سلعة أو خدمة ما وحمايته من منافسة الآخرين له.
ويمكن أيضًا تقسيم هذه الأسواق من الناحية العلمية إلى فئتين، الفئة الأولى: أسواق المنافسة التامة والاحتكار، وهي حالات بعيدة عن الواقع العملي؛ إذ إنه في سوق المنافسة التامة يصعب وجود منتجات متجانسة أو متماثلة تمامًا كما أن حرية الدخول والخروج من السوق لا يمكن أن توجد بشكل مطلق، وفي سوق الاحتكار يصعب وجود منتج وحيد لا بديل له ووجود سوق مغلق لا يمكن لمنافسين جدد الدخول إليه مطلقًا.
الاحتكار في مواجهة المنافسة التامة
وتستخدم مفاهيم الاحتكار والمنافسة التامة كمتضادات؛ حيث تعتبر المنافسة التامة هي الوضع الأمثل، والاحتكار هو الوضع المضاد لها، وعليه تسعى السياسة العامة إلى الوصول إلى الوضع الأمثل أو الاقتراب منه وتجنب الاحتكار؛ نظرًا للمساوئ التي ينطوي عليها؛ إذ إن المحتكر باستطاعته أن يمارس عملية التحكم في الأسعار للمنتج الذي ينتجه ويفرض سعرًا واحدًا عاليًا ليعظم أرباحه، أو أن يفرض سعرًا منخفضًا لمنع منافسيه من الدخول إلى السوق أو أن يقوم بفرض أسعار مختلفة حسب فئات المستهلكين فيما يعرف بعملية “تمييز الأسعار” Price Discrimination، ومن أمثلة ذلك فرض أسعار مختلفة لاستهلاك الطاقة الكهربائية (سعر للاستهلاك المنزلي، وسعر للأغراض التجارية، وسعر للأغراض الصناعية) وهكذا. ويشترط لممارسة عملية تمييز الأسعار توافر الشرطين الآتيين:
1 – إمكانية تصنيف المستهلكين إلى فئات.
2 – ألا يستطيع المستهلك إعادة بيع السلعة التي حصل عليها بسعر منخفض إلى المستهلكين الآخرين.
فائض المستهلك والمنتج يحدد حالة السوق
ويستخدم الاقتصاديون في تحليلاتهم لمقارنة الوضع الأمثل (المنافسة التامة) مع الوضع غير المرغوب فيه ( الاحتكار) المفاهيم التالية:
1 – فائض المستهلك وهو الفرق بين أقصى سعر يرغب المستهلك في دفعه مقابل وحدة واحدة من سلعة ما، وبين السعر الذي يدفعه فعلاً مقابل هذه السلعة.
2 – فائض المنتج: وهو الفرق بين السعر الذي يستلمه المنتج مقابل وحدة واحدة من السلعة التي ينتجها، وبين الحد الأدنى للسعر الذي يمكن أن يقبله لكي يبيع هذه السلعة؛ حيث يتضح من المقارنة وجود ثلاثة فروق أساسية:
1 – أن فائض المستهلك أقل في ظل الوضع الاحتكاري.
2 – أن فائض المنتج أكبر في ظل الوضع الاحتكاري.
3 – أن مجموع فائض المستهلك والمنتج، في الاقتصاد ككل أقل في ظل الوضع الاحتكاري.
وبذلك نجد أن الوضع الاحتكاري يضر بالمستهلك وبالاقتصاد ككل، والسبب في ذلك هو أنه في ظل الوضع الاحتكاري يتم تضييع مكاسب محتملة من التبادل بين الطرفين، كان يمكن تحقيقها لولا وجود الاحتكار، وهو ما يُسمى بالخسارة الباهظة Deadweight Loose، وهو الأمر الذي يبرر تدخل الدولة وصانعو السياسية لمحاولة منع حدوث هذا الوضع وعدم السماح لشركة واحدة أو حتى عدة شركات بالتحكم في السوق ككل وسن التشريعات المنظمة لذلك، مثل قوانين مكافحة الاحتكار وقوانين المنافسة؛ وذلك لكي تحقق الأهداف التالية:
1 – حماية المستهلك والاقتصاد من الضرر الذي يسببه الاحتكار.
2 – تنويع الخيارات والبدائل أمام المستهلك.
3 – تحقيق مبدأ تساوي الفرص في ممارسة النشاط الاقتصادي ودخول الأسواق.
4 – تحقيق الكفاءة في إنتاج السلع والخدمات.
احتكار الشركات متعددة الجنسيات
وفي الاقتصاد المعاصر تعددت أنواع السلع والخدمات؛ لاتساع الأنشطة الإنتاجية وكبر حجم المنشآت الصناعية والزراعية، وبالتالي تعدد الاستعمالات بما يشمل الاستهلاك والاستثمار والادخار، وصار الاحتكار يعتري كثيرًا من الأنشطة الاقتصادية والتجارية على مستوى الأفراد والمنشآت والدول كوحدات اقتصادية، وصار للاحتكار انعكاسات مباشرة على حياة الناس يمكن إجمالها في الآتي:
1 – إحياء مشكلة الندرة بمعنى محدودية السلع والخدمات مقابل الطلب المتزايد عليها في السوق، الأمر الذي يؤدي إلى النقص في تلبية الحاجات الضرورية خاصة ما يتعلق بالملبس والمأكل والمسكن والعلاج.
2 – ارتفاع الأسعار: وهو ما يعرف بالتضخم السعري سلع وخدمات قليلة مقابل تزايد الطلب عليها، وهو أحد أسباب التضخم إضافة إلى زيادة كمية العملة المتداولة بالنسبة إلى كمية البضائع والخدمات المتاحة.
وتكون آثار الاحتكار أشد قسوة عندما تمارسه مجموعة متضامنة من المحتكرين أو الشركات الضخمة التي تمتلك رؤوس أموال كبيرة وإنتاجًا وفيرًا تستطيع بموجبه أن تتحكم في السوق، وأن تفرض أسعارًا فيها مغالاة فادحة. وهو ما يُعرف في علم الاقتصاد باحتكار القلة؛ حيث يقوم عدد قليل من الشركات أو مصادر توريد السلع بالسيطرة على سوق صنف معين من المنتجات أو الخدمات. وأبرز صور هذا الاحتكار في الاقتصاد المعاصر الشركات الدولية متعددة الجنسية Multinational on Transnational corporations (TNC,)
وهي شركات تباشر نشاطها في أكثر من دولة من خلال تملك أصول إنتاجية ورأسمالية في الدولة الأم “بلد المنشأ” والدول المضيفة “بلد الاستثمار”، ولا يقتصر نشاطها على التحويلات الرأسمالية “الاستثمار الأجنبي المباشر”، بل يشمل نقل التكنولوجيا والسلع والخدمات الإدارية والمالية.
وهي شركات ذات طبيعة احتكارية بمعنى سيطرتها على إنتاج سلع معينة في مجالات الصناعات التحويلية والاستخراجية والمرافق العامة والخدمات، كما أن الأسواق التي تتعامل فيها هذه الشركات يحكمها عدد قليل من المنتجين وتتميز أيضًا باستخدام التقنية المتطورة والمهارات الخاصة في استثماراتها ومنتجاتها من السلع والخدمات، إضافة إلى الدعاية والإعلان، وكلها من أبرز صفات أسواق احتكار القلة. كما أن بعض هذه الشركات يتبع أسلوبًا تجاريًّا يتيح لها التنوع في الأنشطة والمنتجات، مما يوفر لها فرص الخروج من دائرة التخصص الشيق بما يتضمنه من مخاطر الارتباط بسوق سلعة معينة ويحقق لها سيطرة اقتصادية أكبر.
هذه الشركات متعددة الجنسية صار لها تأثير كبير في علاقات التبادل التجاري بين الدول، فمن جملة “50” أكبر شركة متعددة الجنسية في العالم تمتلك الولايات المتحدة الأمريكية “33” شركة، بينما تمتلك بريطانيا “5” شركات، وكل من اليابان وسويسرا “3” شركات، وألمانيا “2” شركتين، وفرنسا واحدة “1” ؛ وبقية الدول “3” فقط.
مزايا متعددة للاحتكار
ويلاحظ أن الشركات متعددة الجنسية تتميز بمزايا احتكارية عديدة جعلتها تسيطر سيطرة تامة على الأسواق خارج حدودها القومية، ومنها:
(1) المزايا الاحتكارية التمويلية:
تتمتع هذه الشركات بمراكز مالية قوية في بلد المنشأ؛ ومقارنة بالشركات المحلية في بلد الاستثمار تُعَدُّ الشركات متعددة الجنسية ذات مراكز مالية متفوقة ومتعاظمة. فمثلاً شركة إكسون Exxon الأمريكية يتكون رأس مالها من 5 شركات تشكل وحدة اقتصادية واحدة حوالي 366 بليون دولار. كما تستفيد هذه الشركات من التمويل الممنوح لها بأسعار فائدة منخفضة.
(2) المزايا الاحتكارية التقنية:
للشركات متعددة الجنسية تقنية متطورة مقارنة بالشركات الوطنية، ويقاس التطور التقني بنفقات البحث العلمي والتطوير التي تتركز حول طرق إنتاج جديدة ومنتجات محسنة وجديدة وزيادة درجة تغاير المنتجات، مما يزيد قدرة الشركة على تسويق منتجاتها والتحكم في السوق على وجه احتكاري.
(3) المزايا الاحتكارية التسويقية:
تعتبر مزايا التسويق أحد أهم الصفات الاحتكارية التي تتميز بها الشركات متعددة الجنسية مقارنة بالشركات الوطنية التي تكون في وضع ضعيف للغاية، فالشركات الدولية متعددة الجنسية لها قدرة على القيام بأبحاث التسويق للتعرف على ظروف السوق وأذواق المستهلكين والتنبؤ بالتغيرات المحتملة على المستوى الإنتاجي والاستهلاكي والتوزيعي.
كما تقوم أيضًا بأعمال الدعاية والإعلان التي تهدف إلى استدامة الطلب على منتجاتها؛ ولهذه الشركات شبكات توزيع واسعة مما يساعد على بسط سيطرتها في الأسواق.
هذه العوامل مجتمعة جعلت الشركات متعددة الجنسية في وضع تنافسي لا يبارى، ولا تستطيع الشركات الوطنية مجتمعة أن تحقق ما تحققه الشركات متعددة الجنسية من وضع احتكاري يمكنها من بسط نفوذها في الأسواق.
إن الاحتكار على النمو المشار إليه لوضعية الشركات متعددة الجنسية لا يقتصر على نوعية السلع فقط، بل على الثقافة التي تحملها السلعة والقيم المعنوية التي لها تأثير على أنماط الحياة والأذواق والسلوك الإنساني.
علي عبد العزيز – د. محمد شريف بشير
أستاذ الاقتصاد بجامعة العلوم الإسلامية – ماليزيا