6أبريل

التلوث الاستهلاكي الرمضاني

فجأة ومن غير مقدمات تحول كل شيء، وأصبح حديث الناس لا يستساغ إلا عندما تفوح منه رائحة الثوم والبهارات.
تحولت الإعلانات التجارية في الصحف والمجلات وحتى في التلفزيون وربما جميع وسائل الإعلام إلى إعلانات عن أجود أنواع الطعام وكل ما لذ وطاب من الغذاء، وكأن الناس سيتحولون إلى أفواه ليس لها هم إلا التهام الطعام التهاماً، أو كأن البشر مقبلون على سبع سنوات عجاف.
وفجأة ومن غير مقدمات أيضاً إلا بتأثير من وسائل الإعلام المختلفة، هرع الناس وركضوا إلى الأسواق ركضاً، ذهبوا خفافاً ورجعوا ثقالاً محملين بكل ما وجدوه في سوق الاستهلاك المحلي، كل ما وجدوه في سوق الاستهلاك المحلي، كل ما يمت إلى شهر رمضان بصلة من قريب أو بعيد، وحتى في كثير من الأحيان حملوا معهم أغذية ليست ذات علاقة برمضان، ولا حتى بالعيد ولا الشهور التي تلي هذه الأشهر أو تسبقها، المهم أنهم حولوا البيوت إلى مخازن للأغذية، التي قد تنفد خلال الشهر الكريم!!
ومن جانب آخر أصبح هم الجهات المسئولة عن قطاع الغذاء أن توفر كل ما يمكن توفيره من أنواع مختلفة من الغذاء خلال شهر رمضان، فالبيض متوافر خلال الشهر، وكذلك اللحوم الحمراء والبيضاء وكل شيء، وما على المواطن إلا أن يصوم ولا يفكر إلا في بطنه، ولكن – وللأسف – تحولت هذه التصريحات إلى هاجس أخاف المواطنين من مغبة نفاد كميات الأغذية المطروحة في السوق، فتسابقوا إلى الأطعمة واستنفروا كافة طاقاتهم ليستحوذوا على كل ما تقع عليه الأيدي.
وهكذا نحن في كل سنة، نكدس الأغذية بمختلف أنواعها، نحول منازلنا إلى مستودعات ومخازن فتصبح مرتعاً – شئنا ذلك أم أبينا – للفئران والحشرات الضارة، ثم نشتكي من هذه الكائنات الضارة، وعندما ينتهي رمضان تنتهي أهمية الكثير من الأطعمة التي أنفقنا عليها مئات الريالات، فتصبح قمامة همنا أن نتخلص منها بشتى الطرق.
ليس ذلك فحسب، وإنما نحن كعرب متهمون جميعاً بأننا نستهلك من الغذاء أكثر مما ننتج، فنسبة الاستهلاك في الوطن العربي تزيد بمعدل 6% سنوياً، بينما لا تزيد نسبة الإنتاج سوى بنسبة 2.5%، وهذا العجز الواقع بين معدل الإنتاج والاستهلاك يتم سده باستيراد المواد الغذائية المطلوبة من بعض الدول التي تتلاعب في الأسعار بين الفينة والأخرى، فتجد دولنا نفسها مدفوعة على الرغم من إرادتها إلى دفع قيمة فاتورة مستورداتها من السلع والمنتجات الغذائية من المدخرات النفطية وبالعملة الصعبة.
أيها السادة: ما هكذا تورد الإبل، فليس الإسراف من سمات رمضان، ولا رجالات رمضان، فالأجداد لم يعرفوا هذا التلوث الاستهلاكي، بل ولم يقروه أبداً والتاريخ يشهد على ذلك، ورمضان لم يخلق لتناول الطعام، إن هو إلا شهر من شهور الله.
فيا أيها السادة اتقوا الله في هذا الشهر وكفوا عن هذا التلوث الاستهلاكي الذي لا يضر إلا صاحبه، ولا تنسوا قول الله تعالى: {وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين}. فلنكن صادقين مع أنفسنا ولنحاول أن نغير من هذا السلوك الاستهلاكي ولنقنن عملية شراء الأغذية ولو بالتدرج.
نتمنى أن نتخلى عن هذا السلوك الاستهلاكي المقيت، عندئذ نكون قد تخلصنا من أحد أنواع التلوث الذي نعاني منه.
شارك التدوينة !

عن admin

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

© جميع الحقوق محفوظة 2016
%d مدونون معجبون بهذه: