منذ بداية النهضة العلمية الحديثة كان يتم تقيم الغذاء بل وتحدد جودته على مدى احتوائه من العناصر الأساسية الهامة مثل البروتين والفيتامينات والعناصر المعدنية الهامة مثل الحديد والفوسفور والكالسيوم. كما أن جميع طرق حفظ الأغذية كانت تقيم على أساس مدى محافظتها على هذه المكونات الرئيسية، إلا أن التطور التكنولوجي والعلمي ورغبة الإنسان في تنويع مصادر الغذاء، أما بسبب الفقر والبحث عن موارد رخيصة أو بسبب ارتفاع مستوى المعيشة والبحث عن أغذية جديدة أو طرق تصنيعية غير تقليدية والرغبة في إطالة مدة فترة الحفظ.
جميع هذه العوامل أدت إلى تغيرات وتطورات بالتأكيد غير سليمة ساعدت بطريقة مباشرة أو غير مباشرة على اعتبار الغذاء بصوره المختلفة سواء الطازجة أو المصنعة مصدراً هاماً ورئيسياً في انتشار كثير من الأمراض التي كانت محدودة التواجد في الفترات السابقة.
فمن المعروف أن ازدياد أمراض السرطان والقلب والفشل الكلوي والفشل الكبدي جميعها تعتبر أمراض المدنية وتزداد بزيادة مستوى المعيشة، ومن المؤكد أن الأغذية لها دوراً لا يمكن تجاهله في زيادة هذه الأمراض من خلال النمط الحديث للتصنيع الغذائي أو الإضافات المختلفة أو معالجة الخامات الغذائية ذاتها قبل التصنيع مثل المعاملة بالمبيدات الحشرية أو الهرمونات المواد الحافظة، المواد الملونة. وسوف نذكر تباعاً أنواع هذا التلوث:
1_ استخدام المبيدات:
فاستخدام المبيدات أصبح عاملاً رئيسياً لا يمكن استبعاده لرفع إنتاج الغذاء وتغطية احتياجات الإنسان مع التأكد من استحالة استبعاد آثار المبيدات من النبات، وبالتالي وصولها إلى الإنسان المستهلك ورغم أن القوانين الغذائية تحدد الحدود القصوى الممكن تواجدها في الغذاء الخام والمصنع، إلا أنه للأسف الشديد فأن العمليات التصنيعية أثناء خطوات حفظ الأغذية بالحرارة مثلا تؤدي إلى تكسير هذه المبيدات وخفض نسبة وجودها في الغذاء المصنع إلى الحدود المسموح بها قانوناً، إلا أن نتائج تكسير هذه المبيدات قد تكون أكثر سمية من المبيدات نفسها، ولا يمكن في الظروف العادية التعرف على نتائج أو نواتج تكسير المبيدات وسميتها، وبالتالي قد تكون الأغذية المصنعة مطابقة للقانون والمواصفات من حيث محتواها من المبيدات، إلا أنها غير سليمة للاستهلاك الأدمي وتسبب اضراراً عند تناولها نتيجة لاحتوائها على آثار تكسير المبيدات التي يستحيل التعرف عليها أو تحديدها.
2- طرق الطهي:
رغبة المستهلك في تنويع الغذاء الذي يتناوله أدى إلى الأكثار من استخدام الحرارة المباشرة كالشي أو التحمير في الدهون واساءة استخدام الدهون وإعادة استخدامها، ومن المعروف أن الشي خصوصاً على الفحم ينتج عند امتصاص الغذاء للعديد من نواتج تكسير الفحم الضارة بالصحة. كما أن التحمير المتعدد في الزيوت يؤدي أيضاً إلى تكوين مركبات ضارة بصحة المستهلك، بالإضافة على استخدام بعض الزيوت المستحدثة واستخدامها في التغذية رغم وجود تحفظات عديدة على استخدامها مثل زيت الشلجم واستيارين النخيل من المحتمل أن تؤدي إلى حدوث أضرار بصحة المستهلك، ولا يمكن استبعاد دور المستهلك نفسه في هذه النقطة، فرغم اقتناع الجميع بأن عملية سلق اللحوم تعطي غذاءً سليماً بلا أي أضرار أو مشاكل، إلا أن المستهلك دائما ما يربط اللحوم المسلوقة والمرض، ويزيد من استخدام الشي والتحمير لإعداد اللحوم رغم علم الجميع بما لهذه الطرق من آثار صحية على الأقل بالنسبة لبعض الفئات.
3- المضافات الغذائية: – ألوان الأغذية والمواد الحافظة:
يتم تقييم الغذاء أولاً بالنظر لهذا فقد عمد العديد من مصانع الأغذية إلى استخدام الألوان سواء الطبيعية أو الصناعية في معظم أنواع الأغذية، وخاصة الأغذية التي يتناولها الأطفال، ورغم وجود قوانين تحدد أنواع الألوان المسموح باستخدامها إلا أن هذه القوانين في معظم الدول خاصة النامية منها لا تحدد الكمية المسوح باستخدامها من هذه الألوان. كما أن طول الفترة التي يستخدم فيها الأطفال هذه الألوان في جميع ما يتناولونه من أغذية، بالإضافة إلى العديد من الألوان الطبيعية والصناعية الموجودة في هذه الأغذية التي يتنوع فيها الألوان على صحة الأطفال، هذا مع التأكد من وجود العديد من أغذية الأطفال المتداولة في الأسواق خارج المدن الكبرى بعيداً عن الأجهزة الرقابية وبما قد تحتويه من ألوان غير مسموح باستخدامها أصلا يعكس مدى الأضرار الناتجة من استخدام هذه الأغذية.
وفي الوقت الحالي فقد أدى زيادة الانتاج في بعض البلاد من سلع غذائية معينة والرغبة في التصدير إلى اماكن بعيدة وفتح أسواق جديدة أدت هذه العوامل مجتمعة إلى ضرورة اقتصادية لزيادة فترة صلاحية هذه المنتجات، وذلك عن طريق استخدام المواد الحافظة للأغذية مثل بنزوات الصوديوم وأملاح السوربات والبروبيوتات وخلافه أو استخدام ثاني أكسيد الكبريت لإعطاء لون فاتح للفواكه المجففة لزيادة رغبة المستهلك للشراء، وجميع هذه المواد الحافظة هي بطبيعتها مواد كيميائية لا يمكن اعتبارها غير ضارة بالصحة وإنما تحدد القوانين الغذائية الحد الأقصى المسموح باستخدامه منها، ولأنه في الوقت الحالي الاقتصاد أعلى صوتاً من العلم فأن الاتجاه الآن إلى زيادة نسب هذه المواد أو السماح بخلط أكثر من واحد منها في نفس الغذاء، وخلط هذه المواد الحافظة معاً أما في نفس الغذاء أو حتى باستخدام أكثر من غذاء كل منها يحتوي على مادة حافظة محددة تعتبر غير سليمة صحياً خاصة الأفراد الحساسة وهم الأطفال وكبار السن.
4- السموم الفطرية:
أحد مصادر تلوث الغذاء هو السموم الفطرية، ومع أن أول السموم الفطرية التي تم التعرف عليها كان الافلاتوكسين Aflatoxin في الفول السوداني، إلا أنه في الوقت الحالي ولأسباب مازالت غير محددة توجد عديد من السموم الفطرية الأكثر سمية من الافلاتوكسين تم عزلها من جميع الحبوب والبقول والحبوب الزيتية والبن وخلافه، وهذه السموم الفطرية قاتلة ويصعب التخلص منها بالحرارة المستخدمة في التصنيع. كما أن مطالبة الجهات الحكومية بالكشف عن السموم الفطرية بالنسبة لجميع الأغذية المحتمل اصابتها غير عملي وخارج امكانياتها، فلا يتم فحص المواد الغذائية إلا في حالة وجود فطر علماً بأن نتيجة ما يسمى عمليات الفرز والتجنيب من الممكن استبعاد اجزاء عليها فطر ظاهر، بينما توجد حبوب أخرى فيها الفطر أو السموم الفطرية داخل الحبوب ولا يوجد نموات ظاهرة وأسباب تواجد السموم الفطرية في العديد من البذور والحبوب وانتشار السموم الفطرية في الوقت الحالي قد يرجع أما إلى سوء التخزين، وذلك بتخزين الحبوب قبل تمام جفافها أو التخزين في أماكن رطبة أو النقل في عبوات تسمح بنفاذ الرطوبة أثناء الشحن لمسافات طويلة، أو قد تكون هذه الفطريات المفرزة للسموم قد حدث لها أو بها طفرات نتيجة للهندسة الوراثية أدت إلى افرازها لسموم شديدة السمية مقاومة للحرارة، فقد استمر العالم لفترة طويلة معتبرا أن الافلاتوكسينات الموجود على الفول السوداني فقط هي السموم الفطرية الوحيدة التي تسبب أضرارا للإنسان.
ومما سبق يتضح أن الغذاء في الوقت الحالي نتيجة للتنافس ورغبة المنتجين في زيادة الربح، ورغبة المستهلكين في تنوع مصادر الغذاء، والخلطات والاعتماد بنسب أكبر على الأغذية الجاهزة، كل ذلك يؤدي إلى زيادة حالات الأمراض الناتجة من تناول أغذية غير سليمة أو غير صحية مع انخفاض حالات سوء التغذية الناتج عن نقص التغذية وان الاعتماد على القوانين الغذائية أو المواصفات أو أمانة المنتجين لا يمكن أن يضمن توافر غذاء سليم آمن صحياً للمواطنين سواء كان الغذاء محلي أو مستورد.
5- استخدام مياه الصرف الصحي أو الزراعي:
مصدر آخر من مصادر تلوث الغذاء هو استخدام مياه الصرف الصحي أو الزراعي أما منفرداً أو مخلوطاً بمياه الري العادية في ري محاصيل زراعية غذائية مثل الفاكهة والورقيات والخضروات ، فهذه المياه بطبيعتها تتركز فيها كميات كبيرة من بقايا المبيدات والعناصر المعدنية الثقيلة وتنتقل إلى التربة ثم إلى النبات ثم الغذاء،ولا يمكن التخلص أو حتى التقليل من هذه العناصر الثقيلة عن طريق التصنيع بأي صورة من الصور وإنما تصل إلى الغذاء وتتراكم في جسم الإنسان بما لها من أضرار جسيمة، فارتفاع نسبة الزئبق في الأسماك حتى أدى إلى موتها من ارتفاع نسبة الزئبق في مياه الصيد في بعض مناطق من العالم، حتى أدى إلى وقف الصيد بها وهذه أحد صور التلوث الناتجة من عدم المعرفة بخطورة التعامل مع ملوثات البيئة وتأثيرها الضار، بل وقد يكون القاتل للإنسان علماً بأن التركيز على ذلك بدأ بعد موت السمك علماً بأن السمك لا يموت إلا بعد ارتفاع نسبة الزئبق بها إلى مئات أو حتى آلاف الحد الأقصى المسموح بتواجده في الغذاء (في حالة الزئبق مثلاً الحد الأقصى المسموح به في الغذاء هو جزء في المليون، بينما وجد في الأسماك فعلاً أرقام تفوق ذلك بكثير).
ومع أن عملية تعليب الأغذية أو حفظ الأغذية بالتعليب قد ينتج عنه ارتفاع نسبة الرصاص في بعض العينات إلا أن ذلك لا يعتبر من فساد الأغذية، حيث تتكفل الرقابة الحكومية والمعامل الرسمية باستبعاد هذه المعلبات. كما أن الكميات الموجودة بها حتى ولو تجاوزت المسموح به قانونا فهي أقل بكثير مما تحتويه مياه الصرف الصحي والصناعي من هذه العناصر.