7مايو

دور القطاع العام والخاص ومؤسسات المجتمع المدني في مكافحة الغش التجاري

لندوة الثالثة لمكافحة الغش التجاري والتقليد في دول مجلس التعاون
الغرفة التجارية الصناعية بالرياض
المملكة العربية السعودية 6-7 شعبان 1425هجرية، الموافق
 20-21 سبتمبر 2004 ميلادية

 
الدكتور/ محمد نعيم شاكر،  جامعة الشارقة.

 
المقدمة:

تعتبر ظاهرة الغش التجاري والتقليد من المشاكل المتزايدة التي تواجه أغلب دول العالم بشكل عام ودول مجلس التعاون الخليجي بشكلٍ خاص وذلك نتيجة الزيادة في الطلب على السلع المختلفة وعلى زيادة حركة التجارة العالمية وغياب الرقابة ومعايير الجودة في بعض الدول. وتترتب على هذه الظاهرة آثار سلبية تنعكس على المستهلكين والمجتمعات والصحة العامة والبيئة. إن مهمة مكافحة ظاهرة الغش التجاري والتقليد ليست متوقفة على جهة أو إدارة واحدة وإنما يجب أن تظافر الجهود من القطاع العام والخاص من أفراد وجمعيات حماية المستهلك ومؤسسات محلية وإقليمية ودولية وإدارات حكومية وغيرها.

1 – أنواع الغش التجاري والتقليد:

تتنوع أساليب الغش والتقليد بين المنتجين والمروجين وتتناول العديد من البضائع والخدمات في جميع البلدان وخصوصاً دول العالم الثالث حيث تقل أو تنعدم درجة الرقابة وحيث لا تزال قوانين حماية المستهلك بعيدة عن التطبيق بشكل فعال. وتتركز أساليب الغش في شكلين معروفين:

أ – الغش في نوع السلعة من حيث إخفاء المعلومات الأصلية أو تزويد معلومات مظللة وخاطئة من حيث المحتويات أو النتائج للاستعمال أو تاريخ انتهاء الصلاحية أو احتوائها على مواد مضرة بالصحة.

ب – الغش قي الممارسة التسويقية من حيث استخدام أساليب الدعاية والإعلان مثل تغرير المستهلك بأن الكمية محدودة أو الضمان على السلعة أو استخدام المشاهير من الفنانين والفنانات والنجوم للإعلان عن المنتجات أو الخدمات.

ج  الغش في تقديم السلع غير المطابقة للمواصفات والمقاييس الدولية والتي تؤثر على السلامة في استخدام المنتج أو على الصحة العامة.

ومن الأمثلة التي يمكن ملاحظتها بشكل واضح على الغش التجاري والتقليد:

1 ) المنتجات الغذائية: هناك أمثلة عديدة ومتنوعة للغش في المنتجات الغذائية مثل السلع الغذائية المنتهية الصلاحية، اللحوم الفاسدة، خلط السلع الغذائية بالماء أو مواد أخرى مثل زيت الزيتون والعسل والحليب وغيرها، وضع الملصقات والمعلومات الخاطئة عن المنتج والتركيب والمواد الأولية الداخلة في الإنتاج.

2 ) الأدوات الكهربائية والمنزلية: عدم وضع الإرشادات الصحية للتشغيل أو استعمال مواد أولية وقطع غير أصلية في التصنيع أو عدم توضيح الأخطار المتعلقة باستخدام بعض الأدوات أو العمر الإنتاجي أو الافتراضي لهذه الأدوات.

3 ) منتجات التجميل والرشاقة: تقدم بعض الشركات المنتجات المختلفة الموجهة إلى شريحة معينة من الزبائن والتي تعدهم بالحصول على تخفيف للوزن أو تحسين أداء بعض الأعضاء في الجسم ولكن النتائج من الاستعمال لا تؤدي إلى الدور المطلوب وأحياناً كثيرة تعطي نتائج سلبية إضافية وتؤدي إلى أمراض معينة.

4 ) الخدمات المتنوعة: مثل الخدمات السياحية وقضاء الأجازات حيث يكون البرنامج الفعلي مختلفاً تماماً عن البرنامج المعلن أو المتفق عليه، أو الخدمات المتعلقة بالأمور المالية أو الاجتماعية.

5 ) قطع الغيار للسيارات والمكائن المختلفة: حيث يتم وضع إشارة عليها بأنها قطع أصلية مع أنها قطع مقلدة، وأحياناً يصعب التفريق بشكل واضح بين القطع الأصلية والقطع المقلدة.

6 ) قطاع البناء والتشييد: هناك العديد من الإعلانات عن بيع وحدات سكنية أو إيجار توضح مواصفات معينة وصوراً خيالية ولكن عند التسليم يفاجأ المشتري بالفرق، أو أن يتم الاتصال لاحقاً لبيان أن البيع للوحدة بالأشياء المبدئية والإضافات يتم إضافتها للسعر الذي يبدو في النهاية إضعافا للمبلغ المتفق عليه.

7 ) قطاع التربية والتعليم: وخصوصاً في البلدان التي لا تسمح بقبول أبناء الوافدين في المدارس الحكومية مما يضطرهم إلى الاستعانة بالمدارس الخاصة. وفي أغلب الأحيان تعطي المدارس الخاصة صورة غير صحيحة عند الإعلان عن المدرسة أو الرسوم. وأيضاً هناك انتشار واسع في دول مجلس التعاون الخليجي وغيرها لفروع من جامعات خارجية وليس لديها اعتراف أكاديمي محلي مما يجعل الشهادة منها عديمة القيمة.

8 ) الخدمات الصحية: تكثر حالياً المراكز الصحية والطبية التي تعلن عن إجراء عمليات تجميلية أو جراحية أو علاجية لحالات معينة من قبل أطباء وأخصائيين زائرين، وقد تقع بعض الأخطاء المهنية إثناء المعالجة وتؤدي إلى نتائج عكسية أو آثار سلبية جانبية ولا يستطيع المريض المطالبة بحقوقه لأن المركز لا يتحمل المسؤولية والطبيب قد غادر وكان زائراً.      

2 – طرق كشف الغش التجاري والتقليد:

هناك سباق دائم بين القائمين على كشف الغش التجاري والتقليد وبين الذين يسعون إلى الربح السريع والغلاء الفاحش ذوي النفوس الضعيفة عن طريق الغش والتقليد. إنهم يحاولون بشتى الوسائل التلاعب والاحتيال على طرق كشف الغش المطبقة. وبعد البحث عن الطرق المستخدمة لكشف الغش التجاري والتقليد تم تحديد بعضها.

أ – تحليل العينات من المواد الغذائية وبيان صلاحيتها للاستعمال والتأكد من أن المعلومات المطبوعة على الغلاف صحيحة من حيث المحتويات ونسب الأملاح والسكريات وغيرها.

ب – الرقابة المستمرة على المحلات والمصانع للتأكد من جودة المنتجات ومدى مطابقتها للمعايير والمقاييس الدولية، مثلاً فحص بعض المنتجات: البترول، الذهب، وغيرها من المنتجات التي يمكن التلاعب بها.

ج – القيام بأجراء بحوث ودراسات لقياس درجة الرضا والارتياح عن استخدام المنتجات لدى المستهلكين وأخذ الشكاوى والملاحظات السلبية بعين الاعتبار وملاحقة سببها.

د – إجراء التحاليل المختبرية والدراسات العملية لبيان الاستخدامات ونتائجها لبعض المنتجات وبيان آثار ذلك على المستهلكين ونشر التقارير في الصحافة المرئية والمسموعة وغيرها.      

3 – آثار ونتائج ظاهرة الغش التجاري والتقليد:

إن نتائج ظاهرة الغش التجاري والتقليد تطال شرائح عديدة في المجتمع وتحمل آثاراً اقتصادية وصحية واجتماعية وغيرها. ويمكن تلخيص هذه الآثار والنتائج كما يلي:

1 ) الآثار على المستهلكين: أن المستهلك هو المتأثر الأول لظاهرة الغش والتقليد لأنه هو الذي يشتري السلع المغشوشة ويستعملها وهو الذي يتحمل التبعات من ذلك الغش. والآثار على المستهلكين تتناول:

أ – التأثير على الصحة: بعض المنتجات المغشوشة أو المقلدة تحمل آثاراً على صحة المستهلك وقد تحمل إليه العديد من الأمراض والمشاكل الصحية، مثلاً استخدام الطعام الملوث أو الفاسد أو استخدام الأدوية والعلاجات لبعض الأمراض أو تخفيف الوزن أو استخدام بعض أنواع الملابس التي تؤثر على بعض أعضاء الجسم وغيرها.

ب – التأثير على السلامة والأمان: مثلاً استخدام قطع الغيار التقليدية عند إصلاح السيارات أو الإطارات يمكن أن تعرض المستهلك لخطر أكبر من الحوادث أو استخدام الأجهزة الكهربائية الذي قد يؤدي إلى الحريق أو التلف.

ج – التأثير على الحالة النفسية: أن عدم رضا المستهلك عند استعمال السلع المقلدة أو المغشوشة ينعكس على حالته النفسية تجاه أفراد أسرته أو زملائه في العمل فيظهر بمظهر الساخط والغاضب والمكتئب والمهموم مما يؤثر على العلاقات الاجتماعية والإنتاجية الفردية.

د – ضياع الوقت وهدره في المطالبة بحقوقه في الشكوى أو استرداد أمواله أو الحصول على بديل من البائع وخصوصاً إذا لم يكن هناك ضمان أو اختفاء البائع.

2 ) الآثار على الصحة العامة والبيئة: أن انتشار ظاهرة الغش التجاري والتقليد في المجتمع يؤدي إلى الأضرار بالصحة العامة والبيئة. فعن طريق استخدام السلع المغشوشة يمكن انتشار الأمراض المعدية وهذا يشكل خطراً على الصحة العامة، مثلاً استخدام المواد الغذائية الفاسدة يؤدي إلى التسمم، واستخدام الدم الملوث يؤدي إلى الإصابة بأمراض عديدة، واستخدام الأجهزة الكهربائية التي تولد أشعة أو آثار كيميائية يؤدي إلى بعض الأمراض، واستخدام وسائل الأمان التقليدية في السيارات أو الألعاب للأطفال وغيرها يؤدي إلى التعرض والإصابة بأمراض مختلفة أيضاً.

هذا بالإضافة إلى أن استعمال السلع المغشوشة أو المقلدة يؤدي إلى الأضرار بالبيئة من حيث التلوث أو رمي المخلفات المضرة بالبيئة، حيث أن إنتاج مثل هذه السلع المغشوشة لا يكون طبقاً للمعايير الخاصة أو الدولية المتعارف عليها لحماية البيئة.

3 ) الآثار على الإنفاق الاستهلاكي: إن شراء السلع المغشوشة أو المقلدة لا يفي بالغرض الذي يطلبه المستهلكون ولا تلبي احتياجاتهم ولا تحقق لهم الرضا التام، لذلك فأن المستهلك مضطر لشراء سلعة أخرى وربما أكثر لتحقيق الغرض المطلوب، وهذا يؤدي إلى إضاعة الدخل وتبديده على عدة سلع لتحقيق غرض واحد. مثلاً: شراء إطارات سيارة غير أصلية، سيدفع المستهلك إلى استبدال هذه الإطارات بعد فترةٍ قصيرة، أو شراء لمبات كهربائية مقلدة لا تؤدي العمر الإنتاجي المفترض منها، أو شراء بعض الأدوية لمكافحة الحشرات ولكنها غير فعالة بالشكل المطلوب أو كما يصف الإعلان عنها، أو الحصول على خدمات صحية أو قانونية ولكن ليس بالمستوى المطلوب فيضطر المستهلك بزيارة طبيب آخر أو محامي آخر، أو شراء بعض الملابس أو العطور على أنها من ماركات عالمية مشهورة ثم يجد المستهلك أنها مقلدة ولا يمكن إعادتها إلى البائع، وخصوصاً الآن مع انتشار البيع عن طريق الانترنيت والشبكة المعلوماتية حيث تتباعد المسافة بين البائع والمشتري و لا يملك المشتري في كثير من الأحيان فرصة معاينة السلعة كما جرت العادة في البيع التقليدي من خلال الأسواق والتفاعل المباشر بين البائع والمشتري والمعاينة والفحص للسلعة، حيث أن المستهلك يعتمد على المعلومات الموجودة على الشبكة أو المعلن عنها في التلفزيون أو الصحف عن السلعة، ولا شك بأن الدعاية والإعلان لا تعطي الحقائق كاملة في كثير من الأحيان.

وبناءً على ما سبق فأن المستهلك في النهاية يتكبد الخسارة جراء شراء السلع المغشوشة أو المقلدة ويزيد إنفاقه لإشباع حاجاته ويبدد دخله من جراء ذلك.

4 ) الآثار على الشركات وقطاع الأعمال: ليس هنالك من شك في إن انتشار السلع المغشوشة أو المقلدة يؤثر سلباً على باقي الشركات والمنتجين الذين ينتجون السلع الأصلية والملتزمة بمعايير الجودة والمواصفات المطلوبة. ويظهر هذا الأثر في شقين، الأول هو زيادة التكلفة على هذه الشركات من حيث الالتزام بالمعايير والمواصفات المطلوبة للجودة والإتقان وهذا يؤدي إلى زيادة التكلفة وزيادة السعر في السوق. وهذا يفسر لماذا يجد المستهلك أحياناً نفس السلعة تباع بسعرين مختلفين وبفرق واضح ولكن الفرق هو الأصالة أو التقليد والغش.

والشق الثاني هو انخفاض في مستوى المبيعات لدى الشركات المنتجة للسلع الأصلية، حيث أن أغلب الناس ينقادون وراء الأسعار المخفضة، وهذا يفسر إقبال الناس على شراء برامج الكومبيوتر والأفلام والألعاب الالكترونية المقلدة بسعر منخفض وتجد هذه النسخ المقلدة رواجاً بين الكثير من متوسطي الدخل أو أصحاب الدخل المحدود. وهكذا فأن انخفاض المبيعات يؤدي إلى الخسائر والتي قد تدفع ببعض الشركات إلى الإفلاس والخروج من السوق أو تغيير نشاطها التجاري وهذا بدوره قد يؤدي إلى سيطرة شركات كبيرة على السوق وتخفيض مستوى المنافسة في السوق ونمو الدور الاحتكاري للشركات الأخرى وهذا يؤدي إلى النتائج المعروفة لحالة الاحتكار مثل ارتفاع الأسعار وقلة المنتجات وغيرها.

5 ) الآثار على الاقتصاد المحلي والنظام الاقتصادي العالمي وحركة التجارة العالمية: تتوالى آثار الغش التجاري والتقليد بالانتشار لتعم الاقتصاد المحلي والنظام الاقتصادي العالمي والتجارة الدولية.

إن انتشار السلع المغشوشة أو المقلدة يؤدي إلى إضعاف قطاع الصناعة وقطاع الاستثمار، حيث يقل الإنتاج أو الاستثمار في المجالات التي يكثر فيها استخدام السلع المغشوشة أو المقلدة وهذا بدوره يؤدي إلى انخفاض الناتج المحلي الإجباري ( GDP )، حيث أن الناتج المحلي الإجمالي يتكون من الاستهلاك والاستثمار والإنفاق الحكومي وصافي الصادرات والواردات.

ومن جهة أخرى فأن انتشار السلع المقلدة والمغشوشة يؤثر على حركة الصادرات والواردات بين الدول ويفتح المجال للسوق السوداء والتهريب وإدخال البضائع المقلدة أو المغشوشة بشكل غير قانوني لتجنب التدقيق والفحص في منشأ ومحتويات هذه السلع. وهذا بدوره يؤدي إلى التأثير على حركة الأموال والنقود بين الدول ويؤثر على أسعار العملات المحلية في الأسواق. وأيضاً فأن تنامي ظاهرة الغش التجاري والتقليد يؤدي إلى انتشار واسع لعمليات غسيل الأموال وما يستدعي ذلك من تعرض النظام المصرفي لمخاطر عديدة.   

4 – مكافحة الغش التجاري والتقليد:

لقد تبين من العرض السابق لآثار ظاهرة الغش التجاري والتقليد بأن هذه الظاهرة تحمل آثاراً سلبية وغير محمودة على المستهلكين والمنتجين والاقتصاد الوطني والاقتصاد العالمي وحركة التجارة العالمية، وهذا يعني أن قطاعات كبيرة يطالها تأثير هذه الظاهرة وهذا يستدعي تظافر هؤلاء المتأثرين لمكافحة هذه الظاهرة والحد منها بجميع الأشكال والوسائل المتاحة. وسنعرض لبعض من هذه الطرق:

1 ) دور المستهلكين: بما أن المستهلكون هم في الدرجة الأولى المتأثرون من استخدام السلع المغشوشة أو المقلدة وهم الذين يدفعون الثمن، فأن دورهم في التصدي لهذه الظاهرة ومكافحتها يأتي في المقدمة وذلك من خلال:

أ – مقاطعة جميع السلع المغشوشة أو المقلدة حتى ولو كان سعرها أقل من السلع الأصلية.

ب – الحصول على المعلومات حول المنتجات والسلع والخدمات التي يشترونها والتأكد من صحة هذه المعلومات.

ج – الإبلاغ إلى السلطات المسؤولة عن كل حالات الغش التجاري التي يتعرضون لها حتى يتم اتخاذ
الإجراءات القانونية بحق المخالفين.

د – الاتصال بالبائع أو مقدم الخدمة وإبلاغه بالنتائج التي حصلت من جراء استخدام السلع والخدمات المغشوشة والمطالبة بإسترداد الثمن أو الحصول على سلع بديلة وعدم الرضوخ للأمر الواقع.

هـ –  المشاركة في جمعيات حماية المستهلك وغيرها من الجماعات التي تدافع عن حقوق المستهلكين، لأن هذه الجمعيات بحاجة إلى معلومات من المستهلكين وبحاجة إلى دعم حتى تؤدي دورها.

و – استخدام الصحف والمجلات والانترنيت ومجموعات الدردشة لبيان السلع المغشوشة أو المقلدة وأسماء الموردين أو المروجين أو البائعين لها وذلك حتى تعم الفائدة للجميع. إن التزام المستهلكين بهذه المباديء والطرق يؤدي إلى حصولهم على حقوقهم والتي تتلخص في:

 حق سلامة السلعة أو الخدمة.
 حق المعرفة.
 حق الاختيار.
 حق سماع شكاويهم.

2 ) دور المنتجين والشركات المصنعة للسلع والخدمات الأصلية الملتزمة بمعايير الجودة والإتقان: يمكن لهذه المجموعة بالقيام ببعض الخطوات أو الطرق للمساعدة في مكافحة الغش التجاري والتقليد والحد من استخدام السلع المغشوشة والمقلدة مثل:

1. وضع علامة أو إشارة تبين أن المنتج أصلي وتضع ختماً أو علامة مميزة يصعب تقليدها مثل العلامات الفارقة الموجودة على النقود والتي يصعب تقليدها في كثير من الدول، وهذا ينطبق على برامج الكومبيوتر والأدوات الكهربائية وقطع الغيار للسيارات والمكائن وغيرها.
2. تشجيع المستهلكين على شراء السلع الأصلية والسلع المغشوشة أو المقلدة. بكلمات أخرى توعية المستهلكين إلى الأضرار التي قد تنشأ من استخدام السلع المقلدة والمغشوشة.
3. ملاحقة الشركات التي تقوم بتقليد منتجاتها قضائياً وإقامة الدعاوى في المحاكم على الشركات التي تنتج السلع المقلدة أو المغشوشة، مثل شركات التبغ وشركات البرامج للكومبيوتر التي تلاحق قضائياً الشركات التي تقلد منتجاتها.
4. إعلام الجمهور عن أن الشركات ملتزمة بمعايير الجودة والمعايير المحلية والعالمة وأن المنتوجات خاضعة للرقابة للتأكد من مطابقتها للمواصفات المطلوبة. مثلاً شركات التدقيق والمراجعة تضع على الحسابات الختامية التي تقدمها للجمهور بأن التقارير المالية تم إعدادها بناءً على المعايير الدولية والمهنية في المحاسبة وهذا يعطي المصداقية للتقارير المالية وثقة الناس فيها واعتمادهم عليها في إجراء معاملاتهم، أو الإعلان بأن الشركة المنتجة حائزة على شهادة الجودة العالمية ISO 900 أو غيرها والتي تجعل الناس يثقون بهذه المنتجات ويحاولون الحصول عليها.
5. الإعلان عن جوائز قيمة أو مكافآت للمستهلكين الذين يقدمون معلومات عن منتجات أو سلع مقلدة أو مغشوشة تنافس السلع الأصلية.

3 ) دور جمعيات حماية حقوق المستهلك: لقد تأسس في معظم الدول في منطقة الخليج وغيرها في العالم جمعيات أهلية لا تهدف إلى الربح وتسعى إلى حماية حقوق المستهلك. ففي الولايات المتحدة كان الظهور القوي والواضح لجمعيات حقوق المستهلكين منذ عام 1960، ويتزعم حالياُ السيد رالف نادر رئيس حزب الخضر ( Green Party ) تيار حماية حقوق المستهلكين. وفي سلطنة عمان تم صدور قانون حماية المستهلك بالمرسوم السلطاني عام 2002، وهناك أيضاً جمعيات لحماية المستهلكين في دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية والكويت وغيرها. ولكن النقطة المهمة هي ليست في تأسيس هذه الجمعيات فحسب وإنما في القيام بتفعيل دورها وإعطائها الصلاحيات المطلوبة وعلى اتخاذ الإجراءات اللازمة للحد من ظاهرة التجاري والتقليد. ويتجلى دور هذه الجمعيات من خلال:

 استقطاب عدد كبير من الأعضاء.
 تواجد أعضاء في مجلس الإدارة مهتمين بقضايا الغش التجاري والتقليد حتى يدافعوا عن حقوق المستهلكين.
 العمل بشكل متواصل مع المستهلكين والتواجد معهم والاستماع إلى شكاواهم وإجراء الدراسات والاستبيانات لاستطلاع آراء المستهلكين وتحديد مكامن الغش والتقليد.
 تنظيم الندوات واللقاءات والمحاضرات ودعوة المختصين مهنياً وأكاديمياً لبيان آثار ظاهرة الغش والتقليد.
 إصدار النشرات الأسبوعية أو الشهرية أو وضع صفحات على شبكة الانترنت حول الجمعيات ونشاطاتها وأهدافها والمعلومات العامة والتقارير ونتائج التحليلات والاستبيانات.
 التنسيق والتعاون مع جمعيات حماية المستهلك في نفس المنطقة أو المجاورة والاستفادة من خبرات الجمعيات المتقدمة والاستعانة بخبرات الجمعيات الناجحة في حملة حقوق المستهلك.

4 ) دور وسائل الإعلام والصحافة المرئية والمكتوبة والمسموعة: إن وسائل الإعلام تلعب دوراً كبيراً في نشر المعلومات والتوعية وبنفس الوقت هي أيضاً قد تساعد على انتشار السلع المقلدة أو المغشوشة من خلال الدعايات والإعلانات من خلال وسائلها المختلفة، وخصوصاً الآن مع انتشار الفضائيات المختلفة التي يغطي بثها إلى كافة أرجاء المعمورة . ويمكن إعطائها بعض الطرق التي يمكن اتخاذها من قبل وسائل الإعلام للحد من ظاهرة الغش التجاري والتقليد وحماية حقوق المستهلك.

1. توخي الحذر والموضوعية عند نشر الإعلانات التجارية والدعايات في وسائلها المختلفة بعيداً عن دافع تعظيم الربح، لأن وسائل الإعلام لها دور اجتماعي وإنساني ووطني وتربوي يجب اتخاذه بعين الاعتبار إلى جانب دافع تعظيم الربح. فوسائل الإعلام والصحافة لها رسالة سامية في نشر المعرفة والعلم والحقائق بين الناس.
2. تخصيص معدلات منخفضة أو مجانية لنشر إعلانات من قبل جمعيات حماية المستهلك عن ظاهرة الغش التجاري والتقليد.
3. توجيه الصحافيين والمراسلين ومعدي البرامج للتعرض لظاهرة الغش التجاري والتقليد أو تخصيص برنامج أسبوعي أو شهري على الأقل لهذا الغرض.
4. اختيار الإعلانات والدعايات التجارية بالتنسيق مع جمعيات حماية المستهلك او المختصين مهنياً وأكاديمياً للتأكد من أن هذه الإعلانات تعكس الحقيقة.

5 ) دور الحكومة: إن المنظمات والدوائر والوزارات الحكومية يمكنها القيام بالعديد من الطرق لمكافحة ظاهرة الغش التجاري والتقليد كل حسب نطاق عمله ودائرة اختصاصه.

1. سن القوانين والأنظمة والإجراءات التنفيذية لمكافحة ظاهرة الغش التجاري والتقليد وفرض العقوبات الرادعة بحق المخالفين لهذه القوانين و الأنظمة.
2. تفعيل دور جمعيات حماية حقوق المستهلكين وإعطائها الصلاحيات والأدوات اللازمة التي تمكنها من القيام بدورها الرقابي على أكمل وجه.
3. تأسيس هيئات حكومية للمواصفات والمعايير وإجراء الفحوصات والتحاليل على عينات من السلع من الأسواق في أوقات مختلفة للتأكد من مطابقتها للمواصفات والمعايير الدولية والمهنية للجودة.
4. قيام المجالس المحلية والاستشارية والنيابية والتنفيذية والبرلمانية وغيرها بتسليط الأضواء على ظاهرة الغش التجاري والتقليد ووضع النقاط على الحروف وتقديم الإرشاد ومشاريع القرارات للحكومة لمعالجة أية حالات تظهر في المجتمع.
5. وضع المناهج الدراسية للمدارس والجامعات للتأكيد على أهمية الأخلاق الحميدة والحث على عدم إتباع أساليب الغش والتقليد بدءاً من مكافحة الغش في الامتحانات بين الطلبة وانتهاءً بالسلع المقلدة والمغشوشة.
6. تنظيم المسابقات السنوية للجودة والتميز وتشجيع التميز والأصالة وتوزيع الجوائز على الشركات المتميزة، وهذا ما يتم تطبيقه في كثير من دول مجلس التعاون الخليجي. إن ذلك يساعد الشركات بالالتزام بمعايير الجودة والتميز ويجعلها تبتعد عن أساليب الغش التجاري والتقليد.
7. تنظيم المؤتمرات والندوات وورش العمل لبيان أبعاد ظاهرة الغش التجاري والتقليد وكيفية مكافحتها ومن ثم تبني التوصيات الصادرة عنها.

6 ) دور مراكز البحوث والدراسات والجامعات والمعاهد: يمكن لهذه المؤسسات الاضطلاع بمسؤولية مكافحة ظاهرة الغش التجاري والتقليد من خلال أمور عديدة مثل:

 عقد المؤتمرات المحلية والإقليمية والدولية حول هذه الظاهرة ونشر نتائجها للجمهور.
 توجيه الباحثين وأعضاء هيئة التدريس في الجامعات والمعاهد لإجراء بحوثهم النظرية والتطبيقية لخدمة المجتمع وبيان أساليب ومكافحة وآثار ظاهرة الغش التجاري والتقليد.
 تنظيم دورات تدريبية قصيرة للمستهلكين والمنتجين المهتمين بقضايا إدارة الجودة الشاملة والغش التجاري والتقليد.
 توجيه طلاب الدراسات العليا وغيرها لإجراء أبحاث تطبيقية وتحليلية لهذه الظاهرة.
 توفير المكتبات والكتب والمراجع والمعلومات وقواعد البيانات لجميع الفئات من مستهلكين ومنتجين وباحثين ومهتمين بهذه المواضيع حول حماية حقوق المستهلك وظاهرة الغش التجاري والتقليد.

7 ) دور غرف التجارة والصناعة: يأتي دورها مكملاً لأدوار الجهات المختلفة ويتجلى هذا الدور من خلال:

1. تنظيم الندوات والمؤتمرات وورش العمل بالتعاون مع الجامعات ومراكز البحوث والجهات الحكومية المختصة حول حماية حقوق المستهلك وظاهرة الغش التجاري والتقليد ودعوة المختصين والمهنيين للمشاركة فيها ببحوثهم وأفكارهم. وهذا يبدو من خلال هذه الندوة التي تنظمها الغرفة التجارية والصناعية بالرياض ونأمل أن تحذوا باقي الغرف التجارية والصناعية حذوها والتعرض لجوانب أخرى ذات صلة بالموضوع ومتابعة الظاهرة حتى تعم الفائدة وينتشر الوعي السليم.
2. تأييد حقوق الشركات المنتجة للسلع الأصلية والمساهمة في الحفاظ على حقوق الملكية والاختراع لهذه الشركات.
3. توزيع الجوائز على الشركات المتميزة والتي تحقق نسبة عالية من رضا وقناعة المستهلكين وتلتزم بمعايير الجودة.
4. المتابعة والتنسيق مع دوائر التجارة الحكومية لتطبيق قواعد التصدير والاستيراد للسلع الأصلية وفحص الواردات وتحديد مدى مطابقتها للمواصفات المطلوبة.
5. إلزام جميع المنتجين والمصنعين بأن يكونوا أعضاء في الغرف التجارية والصناعية حتى يمكن مراقبتهم والتأكد من التزامهم بمعايير الجودة.

8 ) دور المنظمات الدولية: وأخيراً يأتي دور المنظمات الدولية والتي تضم على سبيل المثال:

1. الأمم المتحدة.
2. هيئات المواصفات والمعايير الدولية ومطابقة الجودة ( ISO ).
3. منظمة التجارة العالمية ( WTO ).

وتلعب هذه المنظمات دوراً مهماً في مكافحة الغش التجاري والتقليد عن طريق وضع المعايير والواصفات والمقاييس الدولية للجودة والإتقان في إنتاج السلع والخدمات وفرض العقوبات على الدول الغير ملتزمة بتطبيقها وذلك من خلال اتفاقيات التعاون وعضوية الدول في هذه المنظمات.

  5 – الخاتمة:

بعد هذا العرض يتبين أن ظاهرة الغش التجاري والتقليد هي ظاهرة دخيلة وتحمل في طياتها الآثار السلبية على جميع المستويات. وتتنوع أساليب الغش التجاري و التقليد بتنوع السلع والخدمات التي يستعملها المستهلكون لإشباع حاجاتهم اليومية والمعاشية. ومع انتشار هذه الظاهرة يتوجب تحديد بعض الطرق التي يمكن بمقتضاها كشف طرق وأساليب الغش التجاري والتقليد، ولا شك بأنه يمكن توظيف التقدم التكنولوجي وتقنية المعلومات في سبيل ذلك. وتحمل هذه الظاهرة آثاراً عديدة على قطاعات مختلفة من المستهلكين والإنفاق الاستهلاكي والشركات وقطاع الأعمال الذي ينتج سلعاً أصلية وعلى الاقتصاد المحلي والعالمي والتجارة العالمية. ومن أجل محاربة هذه الظاهرة ينبغي تظافر جهود فئات عديدة شعبية وحكومية من قطاع خاص وحكومي ومنظمات دولية تتمثل بالمستهلكين والمنتجين للسلع الأصلية وجمعيات حماية حقوق المستهلك ووسائل الإعلام والصحافة والحكومة ومراكز البحوث والجامعات والمعاهد وغرف التجارة والصناعة والمنظمات الدولية.

وأخيراً أتمنى أن يكون هذا البحث السريع قد سلط الضوء على هذه الظاهرة وأعطاها الاهتمام المطلوب.

 
 
 
 
 

7مايو

"العقوبة ودورها في مكافحة الغش لتجاري و التقليد" ورقة عمل

المحامي والمستشار القانوني
سامي عبد الوهاب مغربي

 

مقدمة
قال الله تعالى: (ويل للمطففين (1) اللذين إذا اكتالو على الناس يستوفون (2) وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون)                                         سورة المطففين – قرآن كريم
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” من غشنا فليس منا”   رواه مسلم – حديث شريف

 

تعريف الغش:

جاء في لسان العرب لإبن منظور ” الغش نقيض النصح وهو مأخوذ من الغشش”
أي “المشرب الكدر”   لسان العرب – باب الغين المعجمة و قال ابن حجر الهيثمي ” الغش المحرم أن يعلم ذو السلعة من نحو بائع أو مشتر فيها شيئ لو إطلع مريد أخذها ما أخذها بذلك المقابل”
ولم تخرج الأنظمة الحديثة في تعريف الغش عن ماساقه علماء العرب والمسلمين وعن حقيقته المتمحورة حول الخداع و التضليل وتغيير الحقائق والبدائل لايقاع المستهلك في مغرة شراء سلعة على أساس أنها سلعة أخرى مع إختلاف جوهري في الجودة و التكوين أو عن طريق مخالفة المواصفات الموضوعة من قبل الجهات المختصة ، وطرق الغش كثيرة وتدخل في كل شئ وقد إتفق رجال القانون على تعريفها في المواد القانونية المجرمة للغش التجاري و التقليد مع قليل من الإختلاف ولكن ملخص الجوهر التعريفي واحد.

وحقيقة الأمر أن المشكلة الكامنة وراء إنتشار الغش التجاري و التقليد هي في حقيقتها ليست مشكلة تعريف ، فالعقل البشرى لن يعجز أن يعيد تعريف الجرم بإعادة صياغة المادة القانونية مرارا وتكرارا لغرض تعريف الغش التجاري و التقليد ، وإنما المشكلة الحقيقية إنما تكمن في العقوبة التي يجتهد رجال القانون و الخبراء في تحديدها ووضعها في محاولة للحد من الظاهرة ولغرض إنزال العقوبة على من يتم ضبطهم من  المخالفين و بالتالي إرسال الرسالة لعامة المجتمع أن نتيجة الغش و التقليد هي العقوبة الصارمة التي تجعل العموم يحجمون عن الإقدام على الغش و التقليد عند موازنة الأمور فيستنتجوا إستنتاجا طبيعيا خاليا من الريبة بأن العقوبة التى ستنزل بهم هي أكبر بكثير من الأرباح الجشعة المتوقعة من وراء الغش التجاري أو التقليد، ومثال ذلك عقوبة السارق و الزاني وشارب الخمر في الشريعة الإسلامية ، إذا تمت العقوبة مشددة بقصد الردع.

ومما نشاهده اليوم من تفشي ظاهرة الغش التجاري و التقليد إنما يعكس بصورة واضحة من أن العقوبة المفروضة ، والتي هي المحك الأساسي الذي يجب أن تبنى عليه المادة القانونية المجرمة للفعل ، هي عقوبة غير كافية ولاتفي بالغرض من وجود النظام كرادع لكل من تسول له نفسه الإقدام على هذا النوع من الممارسات المستهجنة من قبل ذوي العقول السوية.

وما تقدم من ضرورة إعادة النظر في العقوبة المفروضة على ممارسات الغش التجاري و التقليد ليس كافيا وحده للحد من هذه الظاهرة المستشرية ، فإذا إستطاع المشرع أن يخرج بآلية عقوبة صارمة تمنع كل من تسول له نفسه الخوض في مثل هذه الممارسات فإنه يقع لزاما على المشرع أن يخرج بآلية عملية لطبيق وتنفيذ النظام الموضوع وذلك إبتداءا من عملية الضبط وتتبعها إلى مصادرها ووصولاً إلي محاكمة المخالفين وليس ذلك فقط داخل أقليم البلد ولكن تتبع المخالفين من موردين ومصدرين ومصنعين أمام جميع الجهات المحلية والدولية والمحاكم الأقليمية ذات الإختصاص ، وذلك لإيصال الرسالة عالميا أن الغش التجاري و التقليد غير مقبول بأي صورة كانت داخل أقليم المشرع أو خارجه وأنه سيتم ملاحقة كل ذي علاقة إلى أبعد الحدود المتاحة لحماية المستهلك والتاجر من أصحاب الممارسات الجشعة وكل من يعاونهم على ذلك ، وببساطة تامة تتم الملاحقة عن طريق إتفاقيات دولية ثنائية أو إقليمية بين الدول الملاحقة لمجرمي الغش و التقليد.

إن حجم خسائرالقطاع التجاري في المملكة العربية السعودية وحدها علي سبيل المثال قد تجاوز أربعة مليارريال سعودي وذلك حسب إفادة رئيس لجنة مكافحة الغش التجاري بمدينة جده   وعندما نتحدث عن القطاع التجاري فإن ذلك يتضمن الكثير من القطاعات الحيوية مثل قطع غيار المركبات وقطاع الأدوية و المستحضرات الطبية وأغذية الأطفال و غيرها مما لايحصر و لايعد ولكن الإيراد هنا إنما يكون لإلقاء الضوء على الخطورة الكامنة وراء تفشي ظاهرة الغش التجاري و التقليد و التي تتعدى الخسارة المادية المذكورة إلى المخاطرة بالأرواح و الصحة العامة للمواطن علاوة على ما سيخسره المجتمع نتيجة فقدان أو تعطيل أفراده عن ممارسة حياته اليومية، فكم من حادث مروري وقع نتيجة قطع غيار مقلدة أو مغشوشة وأدى إلى خسائر في الأرواح و كم من مستحضر أو دواء طبي لم يؤدي نتائجه المرجوة فأدى إلى إنتكاس حالة المريض أو وفاته ، فإذا كانت الخسائر المادية تقاس بالملاين أو المليارات فبكم تقدر قيمة حياة الأبرياء.

اليوم وفي ظل التغيير الذي يجتاح العالم من تقدم سبل الإتصال والنقل و التقنية أصبح من السهل على ممارسي الغش التجاري و التقليد التحرك بسرعة العصر للقيام بعمليات التهريب و إغراق الأسواق بالمنتجات المقلدة و المغشوشة لاسيما و أن الجهات المناط بها أمر السيطرة على هذه الممارسات لازالت تعاني من مشكلة مواكبة أساليب الممارسين للغش التجاري ولهذا أصبحت الفرصة سانحة للعصابات و المارقين أن يحققوا مكاسب هائلة من هذه الممارسات الغير مشروعة لتحقيق إيراد مضاعف لإيراداتهم المالية و تسخير هذا النوع من الممارسات التجارية لغرض غسيل الأموال و تزويدهم بالتمويل المالي لإستخدامه في عمليات أشد بشاعة من مجرد الغش و التقليد .

عليه فإن موضوع هذه الورقة سوف ينصب علي ثلاثة نقاط رئيسية وهي:

أولاً: إعادة النظر في العقوبات المفروضة على ممارسي الغش التجاري و التقليد.

ثانياً: عمل الدراسات ووضع الآليات المساعدة لضبط و كشف أعمال الغش التجاري و التقليد.

ثالثاً: دور المجتمع و الدولة في مكافحة الظاهرة وتتبع أثرها وملاحقة فاعليها إلى أبعد الحدود.

أولاً: إعادة النظر في العقوبات المفروضة على ممارسي الغش التجاري و التقليد.

إن العقوبة الحالية في عموم دول المجلس تتكون من شقين أولهما الغرامة وثانيهما الحبس وتكون بالأولى أو الثانية أو كلاهما معا ونجد أن هذه العقوبة تندرج تحت إما قانون العلامات التجارية أو قانون مختص بحماية المستهلك من الغش التجاري.

وعند إستقراء أنظمة دول المجلس نجد أن أقصى عقوبة للسجن لاتتعدى في أقصى الحالات الثلاث سنوات وأقصى غرامة مالية توجد في المملكة العربية السعودية ولكنها لاتتعدى المائة ألف ريال مع وجود دراسة لرفعها إلى خمسمائة ألف ريال.

 ولأن طبيعة و آلية إصدار الأحكام عادة لا تقضي بالسجن في معظم الحالات وإنما يحكم بالسجن على التاجر الممارس للغش التجاري و التقليد في الحلات القصوى التي ينتج عنها خسائر في الأرواح أو حدوث إصابات بالغة أو أضرار عظيمة تمس الأمن العام، ولكن في معظم الحالات تكتفي المحاكم بإنزال الغرامة المادية عل التاجر المخالف وذلك لعدة أسباب أهمها صعوبة إثبات العلاقة السببية بين الخطأ و الضرر أو بسبب عدم وجود آلية إدانة محكمة ولكن المشكلة أن العقوبة المادية أيضاً تكون مقيدة بالحد الأعلى المنصوص عليه في القانون و التي برهنت على أنها ليست رادعا كافيا لهذه الممارسات حتى في حالات العود التي أكتفى المشرع بمضاعفة العقوبة فيها.

ولأن عقوبة الغش التجاري و التقليد هي من العقوبات التعزيرية التي يجوز لولي الأمر تحديدها حسب حاجة المجتمع وبما يراه كافيا لوضع الحد للجرم الواقع ومعاقبة الفاعل على قدر نيته ، عليه ولأهمية وكبر الجرم الناتج عن الغش التجاري و التقليد فإنه يجب إعادة النظر في العقوبات المفروضة وإعادة صياغة موادها للتفق مع حجم الجريمة وذلك عن طريق اللآتي:

1) رفع العقوبة عن أعمال الغش التجاري و التقليد إلى الحد الذي يتناسب مع الضرر الواقع لكل حالة على حده فتحدد عقوبة مكونة من الغرامة والسجن على أن تكون هذه العقوبة كبيرة بمايكفي للحد من الظاهرة  ، مع تغريم التاجر الثابت بحقه الجريمة قيمة المواد المغشوشة بسعر البيع وتحميله تكاليف النقل و التخزين والإتلاف لكل ما تم ضبطه من مواد وبضائع وإذا ما كانت المواد محل الجريمة مواد مقلدة فإنه يضاف على الغرامة قيمة المواد الأصلية من مثيلات المواد المقلدة بسعر البيع مع تحميل التاجر الممارس للتقليد قيمة تخزين ونقل وإتلاف هذه المواد. (( بالإمكان الإستعانة بأنظمة التهريب الجمركي)).

2) إن عقوبة السجن في الأنظمة المعمول بها حاليا إنما هي عقوبة إختيارية للقاضي ناظر القضية إذ أن الأنظمة في دول المجلس أجتمعت على أن العقوبة تكون إما بالغرامة أو بالسجن أو كلاهما معا ، و لكي تكون المادة المجرمة لأعمال الغش التجاري و التقليد رادعة بما فيه الكفاية فإن الغرامة المادية يجب أن تقترن بالسجن مع مضاعفتها في حالات العود أو كون الأعمال قد تمت تحت مظلة الجريمة المنظمة.

3) ضرورة إعطاء القاضي السلطة التعزيرية بالإعدام في الحالات القصوى لاسيما و التي يكون فيها الغش قد نتج عنه حالات وفاة وكان متعمدا من التاجر مع علمه أن ما قام به من عمل يكون نتيجته فقدان حياة الأبرياء كالغش في الدواء أو الطعام أو حليب الأطفال.

ولعل أقرب مثال لهذا التوجه في التشريع الجنائي لأعمال الغش التجاري و التقليد نراه واضحا في دول الإتحاد الأوروبي حيث قامت فرنسا مؤخرا بإعادة النظر في العقوبات المفروضة على الغش التجاري و التقليد لاسيما بعد ورود عدد من التقارير الدولية التي تربط أعمال الغش التجاري و التقليد بالجريمة المنظمة و تجارة المخدرات وإحتمال إرتباطها بالإرهاب العالمي ، ففي معظم حالات الضبط التي تمت لأوكار العصابات التي تتجر في المخدرات و غيرها من الممنوعات و المحرمات الدولية وجدت كميات كبيرة جدا من البضائع المقلدة و المغشوشة كالساعات و الأقلام و الملابس .

وكان نتيجة ذلك توجه القانونيين الفرنسسين إلى رفع العقوبة لثلاث سنوات سجن مع غرامة قدرها ثلاثمائة ألف يورووترفع العقوبة إلي خمسمائة ألف يورو غرامة مع السجن خمس سنوات إذا وقع التقليد من عصابة منظمة .

 
ثانياً: عمل الدراسات ووضع الآليات المساعدة لضبط و كشف أعمال الغش التجاري و التقليد.

 إن إقتراح رفع العقوبة وتطوير آليتها بما يتماشى مع إحتياجات العصر وفي ظل تفشي ظاهرة الغش التجاري و التقليد لاتكفي وحدها ، فإذا كان لدينا من العقوبة مايكفي للردع و الزجر فإنه بضرورة الحال يجب أن يكون لدينا آلية لضبط ممارسي الغش التجاري لتقديمهم إلى العدالة لإنزال تلك العقوبات بهم وعلاوة على ذلك فإن التوجه لعمل الدراسات التي تدرس سلوك المستهلك و التاجر إنما هي الأخرى تسهم إسهاما كبيرا في تعقب الظاهرة و القضاء عليها.

أ) وضع آليات الضبط :

إن من الصعوبات التي تواجهها الجهات المناط بها أمر تعقب و ضبط ممارسي الغش التجاري و التقليد هو نقص الموارد البشرية اللازمة لتعقب وكشف المخالفين لاسيما في ظل نمو النشاط التجاري و توافر السبل التقنية الحديثة ، و أن اي جهة رسمية مهما توافرت لها الموارد النقدية فإن لها من الإلتزامات الأخرى المناطة بها و التي قد تنمعها من الإلتفات للظاهرة بمفهوم كامل وبإنتاجية المائة و العشرة بالمائة لغرض القضاء على ظاهرة الغش التجاري و التقليد.

إن الحل لمثل هذه المشكلة ولإمكانية إيجاد سبيل يقضي على الظاهرة من جذورها هو أشبه بآلية الخصخصة المتبعة في القطاعات الحكومية في كثير من الدول اليوم ، بمعنى أننا إذا نجحنا في إستحداث آلية توكل إلي القطاع الخاص أمر مراقبة نفسه ذاتيا فيما يخص الغش التجاري و التقليد وذلك عن طريق الترخيص لجهات خاصة هادفة للربح بالقيام على عملية المراقبة والإثبات و الضبط فيما يخص ممارسات الغش التجاري و التقليد مقابل عائد مادي مقطوع مضاف إليه نسبة من الغرامات المفروضة على من يثبت بحقهم قضاءاً ممارستهم لأعمال الغش التجاري و التقليد فإننا بالتالي سننجح في قطع الطريق على ممارسي الغش التجاري و التقليد بواسطة أعضاء من نفس القطاع الخاص والذي يمتاز بفهمه لطريقة تفكير وكيفية عمل التاجرالممارس للغش التجاري و التقليد لاسيما وأن ممارسي الغش التجاري و التقليد هم بطبيعتهم تجار يمارسون التجارة كغيرهم من التجار ولكنهم يتجرون في المقلد والمغشوش.

وقد يناقش البعض إمكانية إفتراء أو ضلال هذه القطاعات الموكل لها أمر ضبط عمليات الغش التجار و التقليد ، ولإمكانية حدوث ذلك فإن آلية إستحداث هذه الجهات يجب أن تتضمن تعيين تلك الجهات لفترات زمنية محددة قابلة للتجديد من عدمه بحسب رغبة القطاع الحكومي المانح للرخصة مع إضفاء صفة الموظف العام على جميع منسوبي هذه القطاعات بالإضافة إلى إمكانية مقاضاتها عن التقصير و الخطأ ، إضافة إلى ضرورة ملاحظة وجوب تعدد تلك الجهات المستحدثة كنوع من فرض التنافس فيما بينها لرفع مستوى الأداء عند مكافحة الظاهرة و لإيجاد الشعور بالرقابة الجماعية فيما بين هذه الجهات المستحدثة. “مقارنة بالأمن الخاص للبنوك و الشركات” فهم يؤدون مهمة رجال الشرطة في نطاق محدود.

ب) التوجه لعمل الدراسات التي تدرس سلوك المستهلك و التاجر:

إن دراسة سلوك المستهلك و التاجر تساعد بشكل كبير في فهم توجه الأول لشراء السلعة المقلدة أو المغشوشة وهل كان ذلك لمجرد أنها تباع بسعر أقل أو محاولة للتماشي مع صرعة الشراء أم لأن المصنعين للمنتج الأصلي لم يقوموا بتوعية المستهلك وإرشاده إلى أنه هناك سلع مقلدة وأنه يمكن التمييز بينها و بين السلع الأصلية بوجود علامات فارقة أو خلافه ،  كما تساعد هذه الدراسات على فهم توجه التاجر عند إقدامه على تقليد سلعة ما ومالذي دفعه إلى التقليد ولماذا لم يقوم بإستحداث نوع جديد من المنتج أو لماذا لم يقوم بتحويل وجهة المبالغ المستثمرة إلي قطاع آخر غير الغش التجاري أو التقليد.

ونجد التوجه لعمل هذا النوع من الدراسات بدأ العمل به داخل دول المجلس وخارجها إذ تم في مملكة البحرين التوقيع في العاصمة المنامة على إتفاقية بين وزارة التجارة البحرينية ومركز البحرين للدراسات و البحوث تختص بدراسة إتجاهات وسلوكيات المستهلك في مملكة البحرين وذلك لحماية المستهلك من الغش التجاري ومنع التجاوزات التي تستهدف المستهلك عن طريق حصر المخالفات والممارسات الممنوعة وكذلك قياس مدى وعي المستهلك وزيادة وعيه بالإضافة إلى تشجيع الإبتكار و الإستحداث في القطاع التجاري . ومن أمثلة ذلك أيضا ما صوت عليه البرلمان الأوروبي من دراسة تناولت الوضع الراهن فيما يخص الغش التجاري و التقليد وضرورة مكافحة الظاهرة وتناول الممارسات والقضاء عليها عن طريق وضع آليات التوافق بين الجهات المختصة لغرض حماية الأعمال التجارية و المستهلك على حد سواء من ممارسات الغش التجاري والتقليد .

ثالثاً: دور المجتمع و الدولة في مكافحة الظاهرة وتتبع أثرها وملاحقة فاعليها إلى أبعد الحدود.

أولاً: مسؤولية المجتمع:

إن مسؤلية المجتمع مرتبط إرتباط مباشر بمكافحة الظاهرة و إمكانية القضاء عليها فهناك على سبيل االمثال لا الحصر:

 مسؤولية التاجر الذي بدوره يجب أن يقوم بتوعية المستهلك و يلتزم بضرورة تمييز منتجاته عن غيرها من المقلدة و ضرورة إلتزام المستهلك بالسؤال و التقصي قبل الشراء وليعلم أن ليس كل ما يحمل علامة تجارية موثوقة هي سلعلة أصلية.

مسؤلية التاجر والمواطن سواء في التبليغ عن السلع المقلدة و المغشوشة وملاحقة الفاعلين قضائيا لتعويض و جبر الضرر الواقع سواءا على المستهلك أو التاجر بدعاوى التعويض المدنية مهما كان الضرر ضئيلا لاسيما وأن المحاكم لم تضع حد أدنى لقبول طلبات التعويض وذلك لما فيه من إرباك للتاجر الغاش و المخادع و تعطيل لمصالحه الجشعة.

ثانياً: مسؤولية الدولة:

الدولة بلا شك مسؤولة و لاشك أن لها ممارسات تساعد في الحد من الممارسات الخاطئة المتعلقة بالغش التجاري و التقليد و لكن التطويرالمستمر لآليات تتبع الممارسين لأعمال الغش و التجاري و التقليد وتشجيع القطاع الخاص من التجار علي إستخدام التقنية الحديثة  وتسهيل توفيرها للتجار لتوعية المستهلك وإرشاده إلى السلع الأصلية له دور كبير في القضاء على الظاهرة والحد من إنتشارها.

وتستطيع الدولة أن تفعل دورها كذلك عن طريق تشجيع المستهلك وحثه على ملاحقة التجار المخادعين عن طريق تسهيل إجراءات التبليغ و التقاضي و المطالبة بالتعويض ، و علاوة على ذلك يأتي دور المدعي العام متمثلا في تحريك الدعاوى ضد ممارسي الغش التجاري والتقليد من تجار و موردين ليس فقط أمام الجهات القضائية المحلية وإنما عن طريق إقامة قضايا مشتركة مع القطاع الخاص أمام الجهات القضائية الدولية و المحاكم ذات الإختصاص المحلي في الدولة التي تم فيها تصنيع المواد المقلدة أو المغشوشة أوأمام المحاكم المختصة ذات الصلة في الدول التي تمت فيها إتفاقيات توريد أو تصدير السلع إلى بلدان المجلس المتضررة. مع إعطاء محاكمنا التجارية الحق في الحكم الصارم على المصنعين للمواد المغشوشة خارج النطاق الإقليمي للدولة ويمكن تنفيذ ذلك بالحجز على ممتلكاتهم في البلاد إن وجدت أو جعل الحكم سوطاً يوقع على ظهرالشركة المصنعة للغش التجاري في حال تواجدهم مستقبلاً في الدولة الضحية للغش.

الخاتمة:

ما نخلص إليه من هذه الورقة هو ضرورة إعادة النظر في آلية العقوبة المفروضة على أعمال الغش التجاري و التقليد ورفع الغرامة المفروضة إلى الحد الذي يتناسب فعلاً مع الضرر الواقع مع إقرانه بعقوبة السجن و عدم قصر عقوبة السجن على أنها عقوبة يمكن ان تضاف أو لا تضاف للغرامة المالية ، كما ان أسنادأمر دراسة الظاهرة وتعقبها إلى جهات متعددة في القطاع الخاص كنوع من الرقابة الذاتية على القطاع التجاري ضمن آلية محكمة سوف يوفر الكثير من الجهد و الوقت والمال ويعجل من هدف القضاء على ظاهرة الغش التجاري و التقليد هدفا يسيراً لاسيما عند إقرانه بتوعية وتشجييع المتضررين من القطاع الخاص و العام لضرورة ملاحقة الممارسين لأعمال الغش التجاري و التقليد ليس فقط محلياً ولكن لاقصى الحدود التي يسمح بها القانون الدولي.

وفي إنفاذ هذه الآليات خطوة نحو معالجة المشاكل المحيطة بحقوق الملكية الفكرية ضمن إطار (إتفاقية التربس) وهي الإتفاقية الدولية حول الجوانب المتصلة بالتجارة في حقوق الملكية الفكرية إذ أن الحماية الموضوعية لحقوق الملكية الفكرية ، و التي يعتبر التقليد التجاري و الغش من أهم ما ينتهك تلك الحقوق ، لا يكون ممكناً من الناحية العملية إلا بقدر ما يوجد في التشريعات الوطنية من آليات قانونية لوضع النصوص محل التنفيذ ، وبحسب رأي المفاوضات فإن التشريعات المحلية تعاني من ضعف في قواعد الإنفاذ في خمس مجالات و هي :
– عدم كفاية التدابير الحدودية بغرض التحفظ على البضائع المزيفة على الحدود الجمركية ،
– وجود عوائق تحول دون اللجوء إلى القضاء أو السلطة المختصة ،
– قواعد الإثبات صارمة،
– عدم توفير الحماية الوقتية أو التحفظية،
– عدم توفير حماية جنائية غير رادعة.

ومما لاشك فيه أن دول المجلس قد نجحت في تغطية معظم جوانب النقص هذه و لازالت بعض الجوانب الأخرى حرية بالإهتمام ولكن على وجه العموم فإن مراجعة وتطوير آلية مكافحة الغش التجاري هي عملية مستمرة و لا يجب الإلتفات عنها بل يجب متابعتها وفقا لتطور الأمور وإزدياد النشاط التجاري تعقيدا و تطورا للتمكن من الحد من الظاهرة والقضاء عليها.

© جميع الحقوق محفوظة 2016